الاغتراب والإدمان

الاغتراب والإدمان
* ما هو الاغتراب؟
"الاغتراب هو شعور الفرد بالغربة والانفصال عن النفس وعن الآخرين" ..
و هو
"الحالة التي تنتاب الشخص وتحول أفعاله إلى قوة طاغية تقف ضده وتتحكم فيه، بدلاً من أن يتحكم هو فيها".

الاغتراب خاصية تميز الإنسان، وفى بعض الأحيان توصف على أنها ظاهرة سوية .. وفى بعض الأحيان الأخرى قد توصف على أنها ظاهرة مرضية.
كما توصف على أنها ظاهرة متعددة الأبعاد حيث استخداماتها الفسلفية والاجتماعية والنفسية بل والأدبية.

وإذا تناولنا الاغتراب على أنه ظاهرة مرضية، سيكون ارتباطه هنا بالصحة النفسية السلبية للفرد، فالإحساس بالاغتراب يمثل المناخ الملائم لترسيخ العديد من المشكلات والاضطرابات النفسية التي تهدم الأفراد على نحو خاص بل والمجتمعات على نحو أعم.

فالاغتراب هو مصطلح يُستخدم لوصف الحالات النفسية غير الإيجابية التي يمر بها الشخص، والتي توصف الوقت ذاته أبعاد الاغتراب النفسي:
- القلق والتوتر النفسي.
- الشعور بالعجز و القهر وعدم القدرة على تسيير مجريات الأمور الخاصة به.
- الملل من الحياة التي يعيش فيها.
- فرض العزلة النفسية والاجتماعية على النفس (الالتصاق بالذات)، والتي يشعر الفرد معها بالوحدة وعدم انتمائه لمجتمعه.
المزيد عن العزلة الاجتماعية .. والانفصال عن الآخرين ..
- الانسحاب من المجتمع وعدم وجود تفاعل اجتماعي بين المغترب وبين الجماعات التي يعيش معها.
- التشاؤم، بأن حياته أصبحت بلا معنى وأن ما يدور حوله لا يمثل له من الأهمية أي شيء.
- عدم الثقة بالنفس وبالآخرين.
- اللامبالاة.
- التمرد، وهى حالة سخط من جانب الفرد على كل ما يحيط به. وحالة التمرد هذه يصاحبها رغبة في تدمير وإتلاف كل ما هو موجود.
- فقدان القيم الجمالية.
- رفض القيم الاجتماعية، التي تمثل ضغوطاً على إرادة الإنسان.

كل هذه الأعراض تعبر عن ماهية الاغتراب المرضية، ومن الممكن أن يصاب أي شخص بهذا التزعزع النفسي، بغض النظر عن المستوى الاقتصادي والتقدم المادي والتكنولوجي.

الاغتراب والإدمان

ومن الممكن أن تتطور معاناة الإنسان من حالة الاغتراب التي يعيش داخل أسوارها إلى:
- إصابته بمرض نفسي أو عقلي.
أو إلى
- انحرافه جنسياً.
أو إلى
- محاولة للانتحار.
أو إلى
- هجرة العقول.
أو إلى
- ثورات من الرفض والاحتجاج.
وأخيرا إلى
- إدمان الخمور والمخدرات.
المزيد عن إدمان الكحوليات ..
المزيد عن أسباب الإدمان الأخرى ..

* العلاقة بين الاغتراب والإدمان:
هناك أسباب متعددة تدفع بالشخص إلى الإدمان، ومن بين هذه الأسباب شخصية الفرد. والشخصية لا تحدد فقط مدى تأثره بالإدمان من عدمه .. وإنما تنبؤ بدرجة انغماسه فى هذه العادة السيئة. فالشخصية المهتزة غير محكمة البناء منذ صغرها غير مهيأة لحل المشاكل التى تتعرض لها، وعدم قدرتها على التكيف يؤدى إلى خلق مناخ لها من الصراع، ومع عدم القدرة على حل هذا الصراع يولد شعور بالاغتراب والقهر الاجتماعى .. ومحاولة من النفس لتحقيق الاستقرار النفسى تبحث عن مفر لها يتمثل فى إتباع عادة سلبية مثل الإدمان بمختلف أنماطه وأنواعه .. فكيف يؤثر الاغتراب ويسهم فى جعل الشخص مدمناً؟
المزيد عن الإدمان والأمراض النفسية ..

* أسباب الاغتراب:
إن مفهوم الاغتراب وصراع الفرد مع المجتمع لا يعد مفهوماً جديداً، إلا أن تناوله من الجانب النفسي هو الذي يتسم بالحداثة بعض الشيء وخاصة فيما يتصل بالمجال المهنى أو بمجال الصحة النفسية.

فالإنسان في اغترابه النفسي يفصل نفسه عن ما حوله من نظم وأشخاص، بل وينظر إلى وجوده في حالة تفاعل اجتماعي مع الآخرين يمثل عبئاً ثقيلاً على نفسه لأنه خلق لنفسه عالماً مختلفاً من النظم. هذه النظم المختلفة يحاول بها الشخص الانسلاخ والهروب من حالة اغترابه، ويبدأ في إتباع سلوكيات حتى لو كانت خاطئة والتي تسمى بحالة فقدان المعايير حيث تعطيه إحساس زائف بأنه تغلب على ضغوطه ومشاعره السلبية التى هى غالباً ما تعبر عن نمط من أنماط الانحراف الاجتماعى.
المزيد عن الضغوط ..

الاغتراب والإدمان

ومن أسباب الاغتراب:
- إغفال المجتمعات لجانب هام للغاية ألا وهو تنمية العلاقات الاجتماعية بين الأفراد بعضهم البعض في مختلف المجالات، والتركيز فقط على كيفية تحقيق النمو الاقتصادي. فالمجتمعات الحديثة تهتم بالجانب التكنولوجي والاقتصادي .. وغفلت الجانب الاجتماعي الذي يتحتم معه وجود تفاعل بناء بين الأفراد والذي به يتحقق الإنتاج، فالفرد لا يقوى إلا بالجماعة التي تشكل في مجموعها المجتمع .. أما الانفصال يعنى الضعف وفقد الذات.

- المجتمعات الحديثة البالغة التعقيد، فالمجتمع الحديث هو مجتمع يجمع بين أنظمة اقتصادية وسياسية واجتماعية متشابكة ومعقدة يغيب معها مفهوم الانتماء والقدرة على إيجاد أدوار مناسبة للأفراد التي تنتمي لها، مما يولد لدي أفرادها الشعور بالكبت وعدم القدرة على تحقيق ما يريدون أو الانسجام مع ما يجدونه من نظم موجودة بالفعل.

- القيم والنسق الاجتماعية الصارمة لا تؤدى إلى تدعم القيم الخلاقة وإنما تقوضها .. فالصرامة تولد الكبت .. والكبت يولد الاغتراب .. والاغتراب يولد الانحراف والخروج عن ما هو مألوف.

- التغير الاجتماعي السريع الذي يتعرض له المغترب، ويقع الإنسان في براثن الاغتراب هنا لأنه لا يستطيع التكيف مع التغير السريع، أو لعدم شعوره بالأمان معه. ومثالاً للتوضيح في نطاق الأسرة: غياب الأم عن أطفالها للعمل خارج المنزل، فقدان أحد الوالدين.

- عدم معرفة الذات وعلى قدراتها الفعلية، مما يؤدى إلى وضعه أهداف للحياة ومستويات طموح غير منسجمة مع الإمكانات المتاحة له وخلق نوع من الصراع الداخلي لديه والذي يترجم في صورة انسلاخه عن واقعه الذي يعيشه.

الاغتراب والإدمان

- أو قد ينتاب الشخص الشعور بالاغتراب، نتيجة للإحباطات المتكررة، التي يشعر حيالها بالضعف وخيبة الأمل ويفضل حينها العزلة كسلوك تعويضياً.

- ويصاب الإنسان بالاغتراب، عندما تتعارض مصالحه و أهدافه الذاتية مع مصالح الآخرين المشروعة مما يؤدى إلى رفض الجماعة له وتصبح الحياة معهم أمراً مستحيلاً.

- كما أن شخصية الفرد ذاتها تتحكم في مدى قابليته للإصابة الاغتراب، ومن بين هذه الشخصيات:
أ- نمط الشخصية المتواكلة، وهى التي تتوقع أن تأتى إليها الأشياء عن طريق الآخرين مما يشعرها بالعجز وعليه الشعور بالاغتراب.
ب- نمط الشخصية المستغلة، الشخصية التي تتخذ من العبارة التالية مذهباً لها: "الغاية تبرر الوسيلة". فهي شخصية تنتهز كل الفرص للحصول على كل ما ترغب فيه مرة بالحيلة ومرة أخرى بالسلوكيات غير الحميدة .. هذه السلوكيات توقعها في معاناة نفسية وعليه في النهاية الشعور بالاغتراب.
ج- نمط الشخصية الاستسلامية، أو الشخصية السلبية التي لا تعترض أو تتخذ موقفاً. فالذات هنا ليس لها سلطة التحكم وإنما سلطة الآخر على الذات هي التي تسود، حيث يتولد مع هذا الخنوع الشعور بالدونية وعدم تقدير الذات .. وفى النهاية أيضاً الشعور بالاغتراب.

- التربية الخاطئة للفرد تتحكم أيضاً في إصابته بالاغتراب.
المزيد عن أساليب التربية الصحيحة ..

الاغتراب هو فقد الانتماء

* مراحل الاغتراب:
ولا يتحقق شعور الإنسان بالاغتراب إلا بعد مروره بالمراحل التالية:
1- مرحلة ما قبل الاغتراب، المشاعر السلبية التي تسيطر على الفرد وتزج به إلى الاغتراب من اليأس والعجز والإحباط، وتبنيه النظرة التشاؤمية في كل جوانب الحياة التي تحيط به.

2- مرحلة الرفض، حيث يبدأ الفرد بينه وبين نفسه بعدما تسيطر عليه مشاعر السلبية والإحباط أن يرفض كل ما يتعارض مع إرادته واختياراته إلى أن يصل إلى مرحلة الاغتراب الفعلية.

3- مرحلة الاغتراب، وهنا يتضح التعبير عن الاغتراب إما في صورته الإيجابية والتي تتمثل في الثورة والاحتجاج لمحاولة إحداث التغيير أو في صورته السلبية من الانعزال والانسحاب من الحياة الاجتماعية.

الاغتراب والإدمان

* من أجل التغلب على الاغتراب:
من أجل التغلب على ظاهرة الاغتراب وما يرتبط بها من السلوكيات المنحرفة وفى مقدمتها الإدمان وتعاطي المخدرات، يُتبع التالي:
- لابد من البناء المحكم لشخصية الفرد منذ صغره بإتباع وسائل التربية التي تضمن صحته النفسية، وتواجده في البيئة الاجتماعية التي تضمن له التصرف بإيجابية في مختلف المواقف بقدر الإمكان.

- لابد وأن يتعلم كل إنسان كيفية التواصل اجتماعياً والتضامن مع الأفراد الذين يعيشون معه في إطار الجماعة، فالنرجسية مرفوضة والتركيز على النفس وإبراز أهميتها بمنأى عن روح الجماعة مفاده شخصية منحرفة نفسياً سلوكياً.
المزيد عن النرجسية ..

- التنقيب عن الثروات التي تكمن بداخل كل فرد، بحيث يكون المجتمع وسيلة يتم من خلاله تحقيق طموحات الفرد ورغباته وليس كبتها.

- إدراك الفرد الصحيح للعالم من حوله، فلابد وأن يفرق بين الذات المثالية والذات الفعلية. بجانب إدراكه لقدراته الفعلية وليس تلك التي يتوهمها في عقله الباطن .. وبذلك فهو يتجنب إصابته بشعور العجز حيث الهروب والفشل في الحياة.

* المراجع:
  • "DrugFacts: Understanding Drug Abuse and Addiction" - "drugabuse.gov".
  • "Addiction Science" - "drugabuse.gov".
  • "Addiction" - "psychiatry.org".
  • "Addictions" - "helpguide.org".

  • تقييم الموضوع:




تابعنا من خلال

فيدو على الفيسبوك فيدو على التويتر

نشرةالدورية

© 2001 - 2001 جميع حقوق النشر محفوظة للشركة العربية للنشر الإلكتروني