إن الاحتفال بمختلف المناسبات ليس مجرد عادة ترفيهية تتبعها
الأُسر من أجل إسعاد النفس أو الترويح عنها وحسب، وإنما توجد
لها أهداف أبعد وأسمى.
صحيح أن الترفيه جزء هام فى تحقيق الصحة النفسية للكبير والصغير
على حد سواء والذى يحررنا من قيود الحياة الرسمية فى أماكن العمل
أو أماكن الدراسة، فالاحتفال بمختلف المناسبات الاجتماعية يُعد من
إحدى وسائل التربية الإيجابية لأطفالنا. المزيد عن الترفيه فى حياتنا ..
إن احتفال الآباء بمختلف المناسبات من أعياد
الميلاد أو عيد الحب أو عيد الأم أو حتى عيد الزواج
وغيرها من المناسبات الاجتماعية التى تلتف حولها أفراد
الأسرة الواحدة، هو فى واقع الأمر إحدى وسائل التربية
لأطفالهم وبناء لشخصياتهم بطريقة غير مباشرة، فالطفل
يجد متعة من خلال الاحتفالات بمختلف أنواعها ويشعر
معها بالسعادة فالطفل السعيد هو الطفل الإيجابى فى
التصرفات والسلوكيات، فالسعادة شعور إيجابى وهام للنشء
الصغير فى مرحلة مبكرة من حياته لكى يصبح إنساناً
مسئولاً واثقاً من نفسه محترماً لذاته عندما ينضج. المزيد عن الاحتفال بعيد الأم .. المزيد عن السعادة ..
* ما الذى تقدمه المناسبات لأطفالنا؟
تنشئة طفل واثق من نفسه ويسلك المسار الصحيح فى كافة
سلوكياته ليس بالأمر الهين فى عملية التربية .. لكنه
تحدى يواجهه الآباء.
والاحتفال بمختلف المناسبات للطفل يقدم للآباء رسائل
مختلفة تتصل بعملية التربية لهم فى مختلف المراحل، ومن
بين هذه الرسائل:
الرسالة الأولى
الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية مع أطفالنا تعزز لديهم
الشعور باحترام الذات، لأن الطفل الذى لا يقدر ذاته لا
يستطيع أن يخرج من منطقة الراحة الاعتيادية ويواجه
اضطراب التكيف مع متغيرات الحياة التى تدور من حوله،
أما الطفل الذى ينظر إلى ذاته نظرة إيجابية ويحترمها
فهو طفل صحى يكون قادراً على التفاعل الاجتماعى وتكوين
شبكة من الأصدقاء واسعة يتفاعل معهم حتى فى مرحلة
سابقة على مرحلة المدرسة. المزيد عن منطقة الراحة الاعتيادية .. المزيد عن اضطراب التكيف ..
من الهام ان يشعر الطفل بهذه القيمة الإيجابية من خلال
التصرفات واللغة المستخدمة معه من قبل الآباء، وما
يعزز تلك الإيجابية أيضاً العلاقة التى تربطه بأبويه
لأنها المحطة الأولى للتفاعل فى حياة الطفل وكلما كان
هناك جو أُسرى دافئ كلما شعر الطفل بمتعة، فتحقيق
المتعة فى السن الصغيرة مرتبط بمقومات التربية السليمة
لنفسية الطفل.
والرسالة الأولى التى تكمن فى الاحتفال بمختلف
المناسبات مع طفلك: "نحن الآباء نؤثر على الطريقة التى
يرى بها أطفالنا أنفسهم" لذا لابد من تشجيعهم للقيام
بأشياء من أجل أنفسهم مع التركيز على ما يقومون به ..
لا التركيز على النتيجة النهائية من أجل أن نساعدهم
على النمو والتطور ومن أجل أن يصبح لديهم ثقة بأنفسهم. المزيد عن سمات نمو شخصية الطفل (مرحلة ما قبل المدرسة) .. وسائل أخرى لتنمية احترام الذات عند الطفل:
- التركيز على نقاط القوة التى تتوافر لكل طفل على حدة.
- تنمية مهارات مساعدة النفس وتحمل المسئولية منذ سن
صغيرة.
- تشجيع الطفل على الخطأ وألا يتردد فى فعل الأشياء
لأن الخطأ جزء من عملية التعلم.
- تنمية مبدأ أن أى شيء فى الحياة وارد الحدوث.
- ساعد الطفل منذ صغره على أن يضع أهداف ويعمل عل
تحقيقها.
- ترك عبارات التقدير للطفل فى أى مكان قد يثير دهشته
وسعادته وليكن تحت وسادته.
- وضع قائمة بإنجازات الطفل أمام عينيه ليراها وتحفزه
على مزيد من الإنجاز.
- لا تقارن طفل بآخر، ولكن قارنه بنفسه فقط.
الرسالة الثانية
الاحتفال بالمناسبات يخلق مجتمع الأسرة المترابط، من
الهام أن يخلق الأب والأم عادات تُشعر الطفل بأن له
تواجد اجتماعى داخل أسرته، وخلق روح اجتماعية تتمثل فى
عادات وطقوس داخل الأسرة الواحدة تجعل الطفل مرتبطاً
بعائلته عندما يتقدم به العمر. وهذه العادات قد تتمثل
فى عبارات يرددها الآباء للطفل مثل كلمة "أحبك" التى
لها مفعول السحر على نفسية الطفل الصغير وخاصة عندما
يذهب إلى المدرسة يومياً أو عند الذهاب للفراش، أو قد
تتمثل فى مواقف من قراءة كتب محببة له قبل الخلود
للنوم أو الاحتفال بمناسبة خاصة مثل عيد ميلاده. ومن
خلال الاحتفال بمختلف المناسبات التى تُجمع أفراد
الأسرة مع بعضها يساعد على تعزيز قيمة روح الجماعة
وليس الفرد .. فكما تحتفل الأسرة بعيد ميلاد الطفل
لابد وأن يفكر هو الآخر فى الاحتفال بباقى أفراد أسرته. كيف تربى الطفل على حب القراءة .. وسائل أخرى لتنمية فكرة الترابط الأُسرى لدى الطفل:
- الالتزام بالتجمع حول مائدة الطعام ولتكن وجبة واحدة
على الأقل فى اليوم.
- خلق نشاط يكون الطفل مشتركاً مع الأب والأم فيه
وينتظره بشغف مثل قراءة القصة له قبل النوم.
- الاحتفال بأعياد الميلاد وعيد الأم وغيرها من
المناسبات بطريقة خاصة.
- التواصل مع الطفل وسؤاله عن المناسبات التى يجد معها
متعة أكثر مع ترك الفرصة له للمشاركة بأفكاره للاحتفال
بها.
الرسالة الثالثة
الطفل فى مقابل تسهيل الحياة عليه وجعلها أكثر متعة
بالنسبة له، فعلى الجانب الآخر لابد وأن يواجه الطفل
المواقف الصعبة وبعض الإحباطات لكى يتعلم وحتى لا
يصطدم بواقع الحياة العملية عندما يكبر، لابد وأن يبنى
الآباء هرم مهارات التكيف مع مختلف المواقف السلبية من
أجل المستقبل، ومن الكلمات التى ينبغى أن يعرفها الطفل:
الرفض، الإحباط، الفشل، الصراع، التعثر، الخوف،
فالتنشئة السليمة للطفل لا تكون بالإفراط فى حمايته ..
فالحياة لا تأتى دائماً بما يتمناه المرء، والأهم هو
تعليم الطفل مهارات التكيف وان يواصل مواقف حياته بدون
أن تؤثر عليه.
فإذا تعلم الطفل لحظات السعادة وكيفية الاحتفال بحياته
مع أفراد أسرته، لابد وأن يتعلم فى المقابل لحظات عدم
الاستمتاع، وهذا لن يتأتى إلا بتجربة الخبرة الشعورية
الإيجابية أولاً ثم الأخرى السلبية. ومن الأفكار التى يجب أن نلقنها لأطفالنا منذ الصغر
بخصوص التكيف:
- تذكير الطفل دائماً بأن ليس كل ما يطلبه بالضرورة أن
يحصل عليه.
- الانتباه جيداً لاحتياجاته والمواقف التى يتعرضون
لها.
- العمل باستمرار على تنمية الثقة بذاته.
- إعطاء الطفل الفرصة لحل مشكلاته، فالطفل لا يُخرج ما
بداخله إلا إذا أعطينا له نحن الآباء أو القائمين على
رعايته الفرصة.
- الاهتمام بتعليم الطفل كيف يكون مساعداً للآخرين منذ
سن مبكرة وألا ينتظر مقابل لذلك.
- لابد وأن تكون توقعات الآباء عن نجاحات الطفل منطقية
حسب قدرات كل طفل وليس حسب رغبات الكبار.
- عدم التربص بأخطاء الآخرين، لأن كل واحد معرض للخطأ
وللمواقف السلبية المماثلة وغير المماثلة.
- من الممكن البدء بهواية للطفل يمارسها، إذا رأيت أن
الحياة كلها عمل بالنسبة له وأنه لا يجد متنفثاً
للمتعة والمرح.
الرسالة الرابعة
المناسبات وكافة الأنشطة الباعثة على الاسترخاء
والترفيه تساهم فى الصحة العقلية والذهنية للطفل،
والاعتناء بهذا الجانب من صحة الطفل لا يقل فى الأهمية
عن صحته الجسدية، فالعقل هو الذى يغذى كافة أعضاء
الجسم ويؤثر تأثيراً كبيراً على باقى أعضاء الجسد.
فالاحتفال بالمناسبات هى أكسير الحياة بالنسبة
لأطفالنا فتجد الابن أو الابنة يسأل أو تسأل الأم: "كيف
سيكون الاحتفال بعيد ميلادى هذا العام؟" ويتساءل عن
نوعية الهدايا التى سيتلقاها فى هذه المناسبة التى
ينتظرها من العام للعام!!
إن معاناة الشخص الكبير البالغ من القلق ومن اضطرابات
التوتر تبدأ فى مرحلة مبكرة من حياته أى فى مرحلة
الطفولة، فالطفل مثل الشخص الكبير يعانى من التوتر
والقلق بين الحين والآخر وهذا ما يدعوه إلى التأنى
وعدم الاندفاع تجنباً لخبرة الخوف الشعورية.
فقبل أن يصل هذا التأنى إلى مرحلة تعيق الطفل عن
التصرف والمشاركة فى حياة التفاعل الاجتماعى، لابد وأن
ننمى لديه مهارات التغلب على مخاوفه من خلال إدراجه فى
العديد من الأنشطة التى تقضى على هذا الشعور السلبى،
فعلى الرغم من أن الخوف مشاعر طبيعية فى حياة الطفل
والكبير إلا انه لا ينبغى الاستسلام له حتى لا يتحول
إلى خوف مرضى. المزيد عن اضطراب القلق العام ..
الطرق الأخرى التى تمكن الطفل من التغلب على مخاوفه:
- القلق مرض معدٍ، فالآباء من الممكن أن ينقلون إحساس
الخوف إلى أطفالهم، لذا لابد أن يكون الآباء فى حالة
هدوء وعدم انفعال أمام أبنائهم.
- عندما يكون الطفل قلقاً لابد من طمأنته عن طريق
الكلمات الحنونة أو الصوت الدافئ الهادئ أو عن طريق
التعبيرات الوجهية المريحة او باحتضان الطفل.
الرسالة الخامسة
الثبات والمداومة من العناصر الأساسية فى العلاقة التى
تربط الآباء بالأبناء فهى مفتاح التحكم فى سلوكياتهم
وانفعالاتهم عند التعامل مع مختلف المواقف والأشخاص
وهذا يتضح جلياً فى الانتظام فى الاحتفال بمختلف
المناسبات مع الطفل الصغير. فالطفل يريد من أبويه
دائماً الانتظام فى فعل الأشياء، هذا الانتظام يجعله
يتوقع سلوكيات الأب أو الأم، لذا لابد وأن يشمل كافة
تفاصيل الحياة اليومية: الانتظام فى تناول الوجبات
الرئيسية، الانتظام فى مواعيد الخلود للفراش وفى
مواعيد الاستذكار وفى رد الفعل تجاه سلوكيات الأطفال
وحتى من خلال الاحتفال بمختلف المواقف والمناسبات
معهم .. هذا الانتظام يؤكد لكل طفل أن هناك أشخاص
دائماً متواجدون من أجلهم.
الطفل لابد وأن يعرف الحدود التى يتصرف من خلالها ولا
يتعداها، لأنه دائماً ما يحاول التمرد على هذه الحدود
للحصول على مزيد من الاستقلالية ولزاماً على الآباء
تذكير أطفالهم بها دوما.
فمبدأ الثبات بوجه عام يتمثل فى الوفاء بالأقوال
والتصرفات، وإذا أخطأ الطفل فلا نعطى له الفرصة الأولى
والثانية لأنه ستكون هناك ثالثة ورابعة حتى لا تتحول
تصرفاته الخاطئة إلى نمط سلوكى يعتاد الطفل على
ممارسته.
كيف تعلم الطفل الثبات على المبدأ؟
- التركيز على أولويات السلوكيات، فمن الصعب التركيز
على كل فعل خطأ صغير للطفل.
- التركيز على الفعل لا القول، لأن لاطفل لن يلتفت إلى
النصح والإرشاد إذا لم ينفذ الآباء أقوالهم ويدخلونها
حيز التنفيذ.
- التأكيد على أساسيات الروتين اليومى من مواعيد تناول
الوجبات ومواعيد الذهاب إلى الفراش.
- عدم الاستسلام أمام رفض الطفل لإتباع سلوكيات بعينها
والمداومة على التلقين الدائم له لأن الطفل يتعلم من
التكرار.
هل تعلم أن:
- الأسرة التى التى تحتفل مع أطفالها بالمناسبات تربى
طفل لديه هوية قوية وتتوافر لديه من مقومات الصحة ما
تجعله يقوى على مواجهة متغيرات الحياة،كما تخلق
المناسبات الرابطة القوية بين أفراد العائلة وتحقق
نجاحات لا مثيل لها للطفل فى حياته المدرسية والعملية
فى مرحلة لاحقة فى حياته.
- الأسرة التى تحتفل مع أطفالها بالمناسبات تجعلهم
أكثر قدرة على التكيف مع ضغوط الحياة والمضى قدماً
فيها لا التقهقر والوقوع فريسة للأمراض النفسية.
- أن الأسرة التى تحتفل مع أطفالها بالمناسبات
والإعداد للأجازات تساهم فى بناء مجتمع صحى وأجيال
تساهم فى بنائه لا فى تقويضه.