* الحدود فى العلاقات البشرية: إن الحدود فى العلاقات الإنسانية والبشرية هى مجموعة من المبادئ والقواعد التى يضعها الشخص ليحدد الطريقة الملائمة والمريحة التى يتعامل بها مع الآخرين .. وكيف يتعامل الآخرين معه من خلالها على الجانب الآخر. العلاقات الإنسانية هى مرآة النفس ..
وبناء هذه الحدود يتم من خلال خبرات التعلم الاجتماعى التى يمر بها الإنسان إلى جانب المعتقدات والآراء الذاتية. وهناك فرق كبير - لابد أن يعيه كل شخص - عند وضع هذه الحدود فى تفاعلاته .. وهو الفرق بين العفوية والعشوائية فى التصرفات التى تحكم تعامله مع الآخرين. فالأولى لا تسمح للإنسان بالتعدي على حدود الآخرين، أما الثانية فهي فوضى تظهر في المعاملات وتبرر بها الانفعالات غير المحسوبة.
* الحدود الصحية بين البشر: هناك ركائز تحكم جميع العلاقات البشرية وتضمن استمرارها بل ونجاحها، فمن الممكن أن يكون الإنسان يتعامل مع الآخرين ولكن ليس هناك أساس من الود والتفاهم مما يجعل العلاقة غير سوية وغير صحية، وهذا غير مطلوب على الإطلاق لأنها علاقة تتسم بالزيف سرعان ما تتعرض للتصدع وعدم استمرارها كنتيجة حتمية. ما الذى نبحث عنه فى العلاقات الإنسانية ..
العطاء والاهتمام المتبادل هو الأساس الأول فى العلاقات الصحية التى تربط بين البشر، والذى يحمل شعار "نحب لغيرنا ما نحبه لأنفسنا"، فهذه هي القاعدة الذهبية التي تحكم قانون التعامل مع الآخرين، بل وتجعلنا نسيطر على مشاعر الغضب التي لا يمكن تجاهل حدوثه في العلاقات البشرية.
الراحة النفسية عند التعامل هى الأساس الثانى فى نجاح العلاقات البشرية أو وصفها بأنها علاقة صحية، الإنسان فى أى مكان سواء فى محيط الأسرة أو فى محيط العمل يتعرض لشخص ما أو أكثر يثير المشاكل ويمكننا وصف ذلك بعدم وجود ارتياح معه/معهم، وهذا الشخص/الأشخاص من الصعب أن يتكيف مع المحيطين به ويحاول إثارة المشاكل فهو ليس بوسعه العيش فى سلام مع نفسه ومع الآخرين .. كما أنه يحاول البحث عن أخطاء الغير، ودائم التأكيد والإفصاح أنه يتحمل الكثير من المسئوليات أكثر من الغير. محاسبة النفس قبل محاسبة الغير وإلقاء اللوم عليهم هى مؤشر أو سبب آخر من الأسباب التى تؤدى فى النهاية إلى علاقات صحية .. وهنا يندرج تحتها إصلاح الأخطاء الذاتية.
المرونة وعدم تصيد الأخطاء للآخرين، فلا يستطيع الفرد أن يعيش داخل البيئة الاجتماعية بدون تفاعل مع الآخر. ينبغى أن تتعامل مع المواقف والأشخاص فى الحياة بشكل مرن مفتوح من خلال إتاحة المشاركة بالرأى والأفكار مما يُثرى روح التفاعل وهذا فى الصالح العام لنجاح العلاقة وفى الصالح الفردى لاستقرار نفسية الفرد.
الهجوم أو الغضب غير العقلاني والثورة تعطى انطباعاً سيئاً عن الشخص .. تجعل الكل يفرون منه لافتقاده مهارة الاتصال بالآخرين، وهو ما يؤدى إلى نتيجة حتمية سريعة بتقويض علاقاته مع الآخرين والتى تنتهى بالفشل. المزيد عن الغضب ..
* حدود العلاقات الإنسانية: الخصوصية: لكل إنسان حدود لشخصيته تقع تحت سلطته وحده. فالشخص الناضج هو الذى يحترم خصوصيته من خلال الحدود التى يضعها عند التعامل مع الآخرين كما يحترم خصوصية الآخرين التى يضعوها لأنفسهم عند التعامل معه .. فاحترام خصوصية الآخر تحتم عدم التدخل فى أموره لأن التغاضى عن الحدود لا يعنى الرعاية أو الاهتمام بالغير أو حتى لإظهار الحب .. فالحدود خصوصية تبلور التفكير الواعى.
الاستقلالية: من بين الحدود التى تدير العلاقات بين البشر بنجاح هو تقبل اختلاف الآخر على المستوى الفكرى والسلوكى دون أن يؤثر ذلك في وجود علاقة سوية متزنة معهم .. ويتضح غياب مفهوم الاستقلالية فى العلاقة التى تربط الأبناء بالآباء، حيث يرى الآباء أن الأبناء هم امتداد لهم بل وملكية خاصة لهم. المزيد عن علاقة الأبناء بالآباء .. من غير المقبول عند التعامل مع الآخرين أن نُملى عليهم كيف يتصرفون وكيف يفكرون أو أن يروا كافة الأمور من خلال أعيننا نحن .. فهذا من غير المنطقى على الإطلاق، كما أن هذا ليس بدافع الحب أو الاهتمام كما يدعى البعض لأن ذلك يخلق شخصية غير مسئولة وغير سوية. فكل شخص له الحق في أن يحدد اختيارات مختلفة خاصة به هو حتى وإن كانت غير صحيحة أو غير مقبولة من الآخرين، وهذا لا يمنع من التفاعل الإيجابى معهم بدون العمل على إصلاح هذه السلوكيات التى قد لا يكون فيها اتفاق.
المسئولية: المسئولية هو أن يتحمل الشخص تبعات تصرفاته ولا يلقى باللوم على موقف ما تعرض له أو على شخص آخر، أو أن يبرر عدم قيامه بواجباته للظروف الصعبة أو الضغوط التى قد يتعرض لها. ويمتد نطاق مسئولية الفرد فى جوانب عدة، فالمسئولية كما هو متعارف عليها تتمثل فى مسئولية الأفعال أو فى ردود الفعل التى يصدرها الشخص تجاه موقف معين بحيث يكون رد الفعل واعٍ من جانبه .. لكنها أيضاً تمتد لتشمل مسئوليته عن كلامه، عن قراراته، عن الطريقة التى يفكر بها ويستخدم عقله فيها .. كما يكون مسئولاً عن الأعمال التى يقوم بها وعن الأهداف التى يخططها ويرسمها لنفسه، مسئولا ً عن وقته وكيف يديره، مسئولاً عن أمواله وممتلكاته وكل ما يملكه بما فيه جسده إلى جانب معتقداته .. فنطاق المسئولية يشمل كافة مناحى حياته التى تخصه بمفرده أو تخص الآخرين عند تفاعله معهم.
الابتعاد عن الذاتية فى الحكم على الآخرين: إن التصورات الذاتية للشخص لا تمكنه من رؤية الشخص الآخر كما هو بل يكون صورة لرؤيته عنه، مما يجعل العلاقة بينهما غير صحية بل وغير حقيقية .. لأن الحدود التى وضعها بينه وبين الشخص تخضع لحكمه الذاتى وليس الموضوعى عنه. والشخص الناضج هو الذى يخرج من ذاته ويضع إطار للتعاملات مع الآخرين من خلال الرؤية الموضوعية للآخر.
* غياب الحدود الصحية فى العلاقات البشرية: على الرغم من وجود حدود فى علاقات البشر إلا أن هذه الحدود تعكس سمتان هامتان فى علاقاتنا مع الآخرين، وهى: السمة الأولى هو أن لكل فرد شخصيته التى تختلف عن الآخر فلا يوجد شخص نسخة طبق الأصل من شخصية أخرى فى التصرفات وفى التفكير وفى أخذ القرارات، والسمة الثانية على الرغم من هذا الاختلاف إلا أن هناك اتصال دائم بين الشخصيات المختلفة البشرية .. فالفرد لا يستطيع ان يعيش فى عزلة بعيدأً عن الآخرين فمصدر ثرائه الفكرى والعقلى يأتى من التفاعل الاجتماعى واحتكاكه بأفراد المجتمع الذى ينتمى إلبه، فهذا الانفصال المتصل مصدر للتوافق بل واحترام الحدود الفاصلة فى العلاقات. المزيد عن العزلة الاجتماعية .. والانفصال عن الآخرين ..
فالحدود موجودة بتواجد هذا الانفصال المتصل، لكن متى تغيب ولا يكون لها وجود؟ هذا الغياب يكون عند حدوث التداخل العميق الذى يصعب وضع حدود فاصلة معه، أو عند فرض العزلة القاسية على النفس والتى تغيب معها قبول التواصل بأى شكل من الأشكال. وحدوث التوازن فى العلاقة الصحية والذى يضمن معه عدم غياب الحدود الفاصلة فى العلاقات هى معادلة صعبة للغاية تتطلب الجمع بين العقلانية والمشاعر لأن الإنسان لا يستطيع الاعتماد على إعمال عقلة فى كافة تفاصيل العلاقات الإنسانية لأنه عندما تغيب المشاعر فهذا يجعل الحياة بلا معنى.
أما حالات الصداقة والعلاقات القريبة فى حياة الشخص التى تتحول إلى عداء .. فهى أيضاً علاقة لا تتوافر فيها الحدود الفاصلة منذ بداية إقامتها، فطرفى العلاقة هنا مخطئين وليس الطرف الذى قام بقطع العلاقة والذى قد يصفه المجتمع بالجفاء والقسوة والخيانة .. فالسبب غير الواضح وراء هذا العداء هو عدم وجود حدود فاصلة فى العلاقة التى تربط الطرفين، فالحدود الفاصلة تكون فى كافة العلاقات الإنسانية أو فى كافة التفاعلات الاجتماعية التى تكون بين البشر والأفراد فى مختلف المجتمعات والبيئات فى بيئة العمل .. أو على مستوى الأصدقاء .. بل وأحياناً فى العلاقات الأُسرية. المزيد عن الفرد و التفاعل الاجتماعى مع الآخرين ..
* أمور هامة لمزيد من الفهم للحدود فى العلاقات الإنسانية: بما أن الحدود فى العلاقات الإنسانية لها اتصال مباشر بالنضج الوعى عند الإنسان .. فلابد من الفهم الواعى لطبيعة هذه الحدود ولطريقة تلقى الطرف الآخر لها، ومن بين الأمور الهامة التى تتصل بوضع الحدود فى علاقاتنا مع الآخرين: - الفهم والتفسير الصحيح لهذه الحدود، إن الشخص هو الذى يضع الحدود فى علاقاته مع الآخرين وقد يكون مبالغاً فيها بعض الشىء .. فالطرف الآخر حينها إما أن يلتزم بهذه الحدود ويفهمها جيداً بدون أن يتخطاها وإذا لم يتمكن من ذلك فعليه الانسحاب وتجنب التعامل. المزيد عن فشل العلاقات المختلفة .. المزيد عن العلاقات الاجتماعية الناجحة ..
- هل يمكن تخطى الحدود فى العلاقات الإنسانية؟ تخطى الحدود هنا لا يعنى عدم تبادل الاحترام فى العلاقة أو غياب الخصوصية كلية، ففى بعض الأحيان قد يسمح الشخص الواضع للحدود بتخطى الآخر لهذه الحدود مما يسمح بتطور العلاقة والارتقاء يها لكى تصل إلى مستوى أعلى مثل العلاقات الحميمية بين الأزواج. - فمن علامات تطور العلاقة إلى علاقة أكثر ارتباطاً هى تخطى الحدود، الأمر الذى يكون مقبول بل ومرحب به من كلا الطرفين. ومع تخطى الحدود فهناك علاقات على الجانب الآخر تتطلب ثبات هذا التخطى عند حد معين وهنا لابد وأن يكون الإنسان على وعى ودراية كبيرة بطبيعة العلاقة .. كما الحال فى علاقات الأصدقاء والمعارف أو حتى فى العلاقات العابرة التى تتطور مثل تلك التى ينميها الشخص مع آخرين فى الطرق أو فى مناسبات ما تجمعه بهم.
- درجات الالتزام بهذه الحدود تكون متباينة، فهناك من يلتزم بها إلى درجة التشدد وآخر لا يلتزم بها بدرجة كبيرة، وهناك نمط ثالث من يستطيع تحقيق التوازن ما بين الاندماج لكن مع الخطوط (الحدود) الفاصلة فى العلاقة.
- الحدود فى العلاقات بين البشر هى أشبه بالميزان الصحي، يحفظ بين الناس خصوصياتهم والاحترام المتبادل بينهم، بشرط أن يتم التعامل معه بوعي وذكاء ويكون ذلك فى كافة العلاقات الإنسانية القريبة والبعيدة. وهذا ينطبق على وضع الحدود في جميع العلاقات، سواء بين الأزواج بعضهم البعض، أو بين الأبناء وآبائهم، أو بين الأصدقاء .. لأن مثل هذه الحدود تقلل من المشاكل التي قد تحدث بسبب تدخلات المقربين منا، وصحيح أن العلاقة الزوجية لها خصوصيتها، إلا أن المحافظة على الحدود المناسبة لهذه العلاقة أمر ضرورى وصحى كي تبقى حالة الاحترام والانجذاب بين الطرفين، لأن إزالة الحدود تماماً في العلاقة الزوجية يكون سبباً في حدوث خلافات كثيرة، وهذا ما ينطبق أيضاً على علاقة الآباء بالأبناء والأسرة ككل وبالأصدقاء والحيران. المزيد عن تقوية أواصر العائلة .. المزيد عن التفاعل الأُسرى علاقة تبادلية هامة ..
* أهمية الحدود فى العلاقات الإنسانية: - الحدود فى العلاقات الإنسانية تمكن الفرد من الحصول على حريته، حيث تساعده على معرفة ما هو عليه وما ليس عليه، متى يبدأ ومتى ينتهي ليبدأ الآخر، ما هو مسئول عنه وما يقع في دائرة مسئولية غيره. المزيد عن الحرية والمجتمع ..
- الحدود التى يضعها الشخص فى علاقاته مع الآخرين تمكنه من الإحساس بقيمة ذاته وأهميتها، وهو أمر مطلوب للصحة النفسية.
- الحدود فى التعاملات بين الأشخاص لا تمكن الآخرين من اختراق الخصوصية، فالتداخل الشديد واختراق خصوصية الآخر تؤدى إلى تعقيد الروابط بينهما وتصبح العلاقة غير مريحة أو يسودها جو من التوتر.
- الحدود فى العلاقات تعطى قوة للشخص بأنه يملك فكراً، وإنه مسئول عن خياراته وعن النتائج التى تترتب عليها.
- الحدود تحمى الفرد من التلاعب من قبل الطرف الآخر كحاجز منيع يقي من الانغماس في حاجات الآخر العاطفية.
- الحدود تتطلب من الشخص الجرأة والحزم لأن وضعها ليس بالأمر السهل .. فالحدود تعبر عن معادلة صعبة: حفظ الخصوصية من جهة مع ترك مساحة من التعامل من جهة أخرى، وإذا تحققت هذه المعادلة بتوازن تخلق نوع من الراحة والاستقلالية للشخص الذى نجح فى وضعها.
- الحدود فى مختلف العلاقات الإنسانية تجنب المجتمعات المشاكل، حيث يؤكد خبراء علم الاجتماع أن معظم المشاكل الاجتماعية في المجتمع تنشأ من غياب "الحدودية" بين الناس، وعدم الالتزام بها، وتجاهل الضوابط الفاصلة.
- الحدود الصحية فى العلاقات الإنسانية تعطى الشعور بالثقة فى هذه العلاقة والانتماء لها بل وتعمل على تنميتها بالإيجاب.