 |
أول شىء يُذكر عند ذكر كلمة زواج من البعض: "لا
للمسئولية .. لا لتقييد الحرية"، أجل هذا هو الفكر
المسيطر على بعض الأفراد فى شتى المجتمعات. |
إن الزواج ليس بالأمر الصعب أو الشاق، وفى الواقع إن
الشخص يخدع نفسه بهذه الكلمات بل ويتجاهل تلك الحاجات
المتغلغلة فى أعماق فطرته، والاعتزاز بالحرية - كما
يزعم- هو ستار زائف يبرر به رفضه لحاجة الزواج التي
أملتها الطبيعة على الإنسان.
وقد يكون السبب وراء العزوف عن فكرة الزواج ليس
رفضاً لهذه الغريزة الطبيعية بقدر ما هو خوف من
الزيجات الفاشلة وحالات الطلاق التي يسمع عنها المرء
ويصادفها فى حياته.
ومن أهم أسباب فشل الزواج، أن الزوجين لم يهتما – قبل
الإقدام عليه – بأن يتعرفا على نظرة كل منهما تجاه
الزواج أو أن يتأكدا من أن وجهتي نظرهما متطابقتان.
فالزواج مثل أى مشروع يجب أن يكون له هدف يؤمن به
الشريكان اللذان يقدمان على هذا المشروع، ويعملان
جاهدين فى إخلاص على تحقيقه.
ومقومات إنجاز هذا المشروع أو تحقيقه:
- الاقتناع بالهدف.
- الرغبة فى تحقيق الهدف.
- الإخلاص.
- الصدق مع الطرف الآخر.
- التعاون الإيجابي.
- التوافق فى القيم الروحية والخلقية.
* تعريف الزواج الحقيقي:
الزواج اتحاد شخصين يشتهى كل منهما الآخر، ليس فى
الناحية الجنسية فحسب وإنما فى كل النواحي .. فيكون
التوقي بينهما إلى العيش معاً فى حياة واحدة، وكل
منهما يشعر بحاجته إلى الآخر فى النواحي العاطفية
والفكرية والجسدية، وأن يؤمن بأنه فى عون الطرف الآخر
ودعمه وتبادل الخدمات معه ومشاركته للحياة بوجه عام.
ومن ثَّم فلكل من الطرفين دور لابد أن يؤديه فى هذا
الاتحاد الذي يجمعهما .. دور لا يكون فيه استغناء عن
دور الآخر وهو فى الوقت ذاته يكمله. والجنس فى هذا
الاتحاد عامل مكمل، ولكنه فى بعض الأحيان يكون أكثر من
كونه عامل مكمل - فالاتحاد الجنسي لا يتم أيضاً إلا من
خلال تعاون المرأة والرجل على حد سواء.
فالزواج ارتباط يؤدى إلى اتحاد كامل بين شخصين من
الجنسين متعادلين لكنهما مختلفان، ولابد وأن يكون هذا
الاتحاد دائماً بطبيعته .. وهذا هو ما يجب أن تكون
عليه نية كل من الزوجين منذ البداية.
* ما السبب وراء الزواج؟
عندما يتحاب جل
وامرأة تتولد لديهما رغبة طبيعية فى
أن يندمجا فى حياة واحدة وفى أن يضمهما رباط واحد. ومن
طبيعة العلاقات الجسدية أنها قد تثمر .. وثمارها هم
الأطفال، الذين لا يتسنى لهم بدء الحياة السليمة إلا
من خلال رعاية الأب والأم سوياً لهما.
فالأم وحدها لا تستطيع أن تستجيب لحاجات الطفل وتسد
حاجاتها الخاصة فى نفس الوقت .. فلا غنى لها عن الرجل،
ومن هنا كانت الحاجة إلى الأسرة، فالأزواج وتكوين
الأسرة مترابطان ومتشابكان ومتداخلان حيث أن الأسرة هي
أبسط صورة من صور المجتمع وجزء من نظامه الطبيعي،
لكنها فى الوقت ذاته هي أهم هذه الصور، فلا سبيل
للصغار إلى الحصول بدون هذا الشكل الاجتماعي على
الحماية والعاطفة والتغذية. وهذه حقيقة مقترنة بالزواج
يجب إدراكها، وأي تراخٍ فى الرابطة الزوجية لابد وأن
يؤدى إلى تفكك فى الحياة العائلية، وهو أمر لا يتناقض
مع النواميس الخلقية بل مع النواميس الطبيعية بالمثل
ويعمل على تفكك المجتمع وانحلاله.
ولهذا يكمن السر بأن التفكير فى الزواج والأسرة يقترن
الشعور بالمسئولية، لكنه على الجانب الآخر لا يمكن
للإنسان التخلص من رابطة المجتمع الصغير الذي يتمثل فى
الأب والأم والابن، والإقدام على الزواج ما هو إلا
تكرار لهذه المسرحية "الأب والأم والابن".
وإجمالاً نجد أن ما يدفع الفرد للتفكير فى الزواج،
هو:
- الغريزة.
- البلوغ واكتمال النضج الجنسى والعاطفى.
- الرغبة فى اجتماع الجنسين سوياً.
- حفظ النوع.
- الرغبة فى تحمل مسئوليات واهتمامات جديدة تلائم كل
مرحلة عمرية.
* أنماط التفكير فى الزواج:
1- النمط الشهوانى:
الأشخاص التى تفكر فى الزواج من الناحية الجسدية (الجنسية) فقط، ويكون التفكير هذا من جانب الرجال فى
الغالب وذلك لأن طبيعة النساء العميقة تختلف عن طبيعة
الرجال. ففى أغلب الأحوال يكون اهتمام المرأة بالناحية
الجسدية منبعثاً من غريزة الأمومة التى زودتها بها
الطبيعة، لأن هذه الرغبة هى القوة التى تدفعها فى
الحياة، أما الجنس بمعناه الجسدى المحدود فليس له فى
حياتها ما له فى حياة الرجل من تأثير.
وليس من الغريب آنذاك أن يتجه اهتمام الكثيرين إلى
الناحية الجسدية عند التفكير فى الزواج ما داموا
يفتقدون إلى الفهم الصحيح للرابطة الزوجية.
ونجد بذلك أن الفتى والفتاة عند بلوغهما يكونان
مستعدان للزواج من الناحية الجسدية، وعليه نرى كل فرد
من الجنسين يتوق إلى أن يرتبط بفرد من الجنس الآخر لكن
الآباء والمجتمع بوجه عام يرفض هذا الارتباط إلا
بالزواج .. بل ويرفض الآباء زواج المراهقين إلى عدة
أسباب:
ا- أسباب اقتصادية، إذا تُرك الشاب المراهق لأهوائه
لكى ينغمس فى العلاقات الجنسية كلما شاء فسوف يكون
هناك علاقات متعددة له مع الكثير من الفتيات الذى لا
يستطيع إعالتهن فى هذه السن الصغيرة فضلاً عن عدم
المقدرة على إعالة الأبناء الذين هم ثمار هذه العلاقات
الجنسية.
ب- أسباب نفسية، يوجد اتفاق بين رأى الآباء والمجتمع
والدين بأن النضوج الجسدى ليس كافياً لإتمام الزواج فى
حد ذاته بل لابد من النضوج العاطفى والعقلى حتى يتمكن
الطرفان من إقامة علاقة زوجية سعيدة.
فالمراهق تغيب عنه الدراية بمشكلات الحياة اليومية
ومجرياتها، كما أنه لا يستطيع الاضطلاع بمسئولية
الأبوة التى تعد من أكبر المسئوليات البشرية على
الإطلاق.
وبنشأ الصراع بين الرغبات الفردية للفرد فى هذه السن
للزواج وبن النظام الاجتماعى من الجانب الآخر الذى لا
يؤيد هذا الارتباط فى سن مبكر .. إلا ان البعض بالفعل
يُقبل على هذه الرابطة الزوجية الذين يقيسون نجاح
زواجهم بقدر المتعة الجنسية التى يحققها هذا الزواج
لهمن غير ان العلاقة الزوجية التى تقزم على الاتحاد
البدنى وحده لا تلبث أن تصبح مبعثاً للملل.
وما زال هناك من يؤمنون بأن الجنس هو أهم أسس الزواج!
2 - النمط المثالى:
وهو النمط الذى يقع تحت تأثير الأحلام الخيالية
والرومانسية المفرطة التى تجعل من المستحيل أن يُنظر
إلى الزواج فى ضوء الواقع والتفكير العلمى والعملى.
والمثالية هى نوع من الجاذبية الجسدية أيضاً، ولها
درجات متباينة تتراوح ما بين الحب الجنونى أو
الرومانسية التى تتمثل فى خيال الكثير من الناس والتى
تكون مصحوبة بجهل لمتطلبات الزواج.
فعندما يقع الشخص المثالى فى الحب ينظر إلى من يحبه
وكأنها كائن مثالى تخلو من أى عيب فى حين أن الغير لا
يروها سوى مخلوقة عادية مثلها فى ذلك مثل غيرها من
البشر. كما أن الفتاة المثالية تنظر إلى فتاها من خلال
منظار وردى مهما كانت الحقائق التى يبصرها الغير، وعلى
الرغم من أن الآراء تُجمع بأنه لا يصلح لها إلا أنها
لا تريد أن تصدق أحد غير نفسها حيث تراه بوضوح كما
تزعم.
وبعد الزواج كل هذه الخيالات أو الصور المثالية تزول
ويظهر كل واحد أمام الآخر على أنه شخص عادى.
وبالتحليل قد نصل إلى أن منشأ هذه العاطفة هو الخيال
الذى يدور بذهن المحب وحده ولا وجود له خارج خيال
صاحبه.
وبتداول الرومانسية فى القصص والروايات تجعل الصغار
يرون أن الحياة سهلة ومليئة بالمباهج متناسين الحقيقة
الواقعة، فلابد وأن يكون هناك شرح واقعى عن الزواج وأن
له حاجات ومسئوليات ويتطلب تطبيقاً لقواعد الروابط
الإنسانية الطيبة.
3- النمط الموسوس:
الوسوسة هو نوع من التشاؤم يكون أساسه ارتقاب الفشل من
وراء كل زواج، فالشخص الموسوس الذى يتخوف من الزواج هو
فى واقع الأمر شخص:
إما
أ- يفتقد الثقة والمقدرة على التعاون مع شريك آخر فى
إطار الزواج.
أو
ب- قد يكون هذا التخوف بسبب عدم توفيقه فى كثير من
الأمور الذى يمتد إلى الزواج.
أو
ج- أن أحاسيسه تجعله يهيب المسئوليات التى تترتب على
الزواج ..
وكل هذه العوامل تتسبب فى الانطواء وعدم قدرته على
الاندماج فى رابطة تقوم على أساس التعاون المشترك.
ويكون الأمر أكثر صعوبة عندما يفشل أحد المحيطين
بالأشخاص الموسوسة فى الزواج وخاصة إذا كان النجاح
حليفهم فى نواحى الحياة الأخرى. وما تجهله هذه النوعية
من الأشخاص هو أن اليقين النجاح يتأتى من نية الإصرار
على تحقيقه، فهذه النظرة الإيجايبية التى كثيراً ما
يؤدى افتقادها إلى فشل الحياة الزوجية.
أما الذين يقبلون على الزواج وهم يقدرون أن احتمالات
السعادة فيه ضئيلة، ينسون الحقيقة الجوهرية أن الزواج
دائماً يكون كما يريده الشخص ذاته وكما يصنعه! وأن كل
شىء يتوقف على نظرة الطرفين ومدى تفهمهما للزواج.
المزيد عن مفهوم النجاح ..
* الحب والزواج:
والزواج الحقيقي هو الذي يحمل فى طياته الحب، فهو فى
صورته الأصلية حب بين طرفين تولدت لديهما الرغبة فى
الاندماج فى حياة واحدة مستمرة دائمة.
ويؤكد "أ.ج.هاجن" – إحدى رجال الدين الأمريكيين – بأن
الزواج أو الحب الحقيقي بين الرجل والمرأة هو الذي
يستنكر التغيير ويصر على أن العلاقة بين الطرفين يجب
أن تكون دائمة ومقصورة عليهما وحدهما، بل أن الحب يصل
إلى ذروته عند الرغبة فى امتلاك المحبوب وحده
والاستئثار به .. وأن الرغبة فى التغيير لا تنبعث إلا
عن ضعف الحب.
وهذه ليست نظرية أو رأى وإنما هي جزء من التجارب
المأخوذة عن آلاف الرجال والنساء فى حياتهم اليومية،
فالشخص الذي يحب لا يريد من الحياة شيئاً سوى أن يظل
مخلصاً لحبيبه إلى الأبد، ولا ينشد من هذا الآخر سوى
إخلاص مماثل له.
وعليه فإن الزواج ليس بالشيء المخيف، والمعادلة تكمن
فى أنه إذا فكر الشخص فى الزواج عليه أن يختبر قوة حب
الشريك الآخر الذي اختاره منذ البداية ونفس الشيء
بالنسبة للشريك الآخر. ولابد أن يتعرفا على استعداد كل
منهما تجاه الآخر للإخلاص والتفاني، فإذا كان هناك شك
فى تحقق ذلك لابد من التريث والانتظار لأن هذا دليل
على أن أحد الأطراف لم يستكمل بعد استعداده للزواج.
وقد تعترض الطرفان عقبات فى سبيل الزواج لكن كل شىء
سهل التذليل إذا توافر الحب.
المزيد عن الحدود فى
العلاقات الإنسانية ..
* الخلاصة:
فإذا تعرف الطرفان على الزواج وأسبابه، فسوف يكون هناك
اقتناع تام به وسوف يكون هناك استعداد لتقبل
الالتزامات والتبعات التي تترتب عليه.
وهناك أمور يجب مراعاتها قبل الزواج، وأخرى بعد الزواج
.. ولو أن الطرفين حرصا على أن يبحثا هذه وتلك فى جو
من التعاون الصادق والحب واجتهدا فى أن يقربا بين
وجهات نظريهما فسوف يكون الطريق إلى السعادة شيئاً
محققاً.
* المراجع:
- "For Your Marriage" - "foryourmarriage.org"
- "Definition of Marriage" - "family.jrank.org"
|