* التفاعل الأسري: يترتب على العلاقات التي تتكون بين أعضاء الأسرة أن يؤثر كل فرد في الآخر بقصد تكوين خبرات جديدة وليس هذا التفاعل العائلي إلا ناحية واحدة ذات مجال واحد من مجالات التفاعل الاجتماعي الأخرى التي يتعامل معها الفرد.
ويختلف التفاعل الاجتماعي بمعناه العام عن التفاعل العائلي إذ يتميز التفاعل العائلي بخصائص معينة تقوم على أسس من الود والإخاء والحرية والصراحة مع الاستمرار والدوام، وتلك صفات لا نراها بوضوح في أي علاقات اجتماعية أخرى.
والطفل في هذا الجو العائلي يتعلم كيف يعيش وفيه ينمو وتتكون شخصيته وعاداته واتجاهاته وميوله. ولكي ينمو الطفل نمواً صحيحاً يجب أن تتوفر في هذا الجو الآتي: 1- أن يشعر الطفل أنه مرغوب فيه، محبوب، وتحقيق هذه الحاجات النفسية عن طريق الوالدين والأخوة، ويعتبر تحقيقها الدعامة الأولى لتقوية الروابط الوجدانية بين الأطفال وذويهم وأن طفلا يترعرع في جو من الخوف أو الكراهية أو الإحساس بالألم، لخليق أن تنتابه نزعات عدوانية.
2- تعتبر الأسرة المسرح الأول الذي ينمي فيه الطفل قدراته، ويكون ذلك عن طريق اللعب ومشاركة رفاقه في لهوهم ومسراتهم وخبراتهم ويمثل التشجيع والمناقشة المشروعة أثرها في نمو القدرات وتطورها. ويحسن ألا نصدمه بأمور لا يفهمها أو يصعب عليه القيام بها حتى لا يتسرب اليأس إلى نفسه، والطفل في السنوات الأولى يميل إلى أن نشعره بذاتيته وبأنه فرد يستطيع أن يقوم بأعمال ولذلك نراه كثيرا ما يلفت نظر من حوله ليشاهدوا ما يقوم به من أعمال، ويحسن إذ ذاك أن نعلق على هذه الأعمال بكلمات الاستحسان والتشجيع فالطفل إذ يقوم بنشاط معين إنما يريد أن يشبع حاجة من حاجاته النفسية وهي الحاجة إلى التقدير. ويذكر أدلر Adller أن طفلة في الثالثة من عمرها كانت تحيك ثوباً لعروستها الصغيرة ولم تكن ما تقوم به يدل على المهارة إلا أن أمها علقت على عملها بقولها أن ما تقومين به يا ابنتي يعتبر بداية حسنة ثم أخذت منها الثوب وبدأت تعدل فيه وترشدها في الوقت نفلسه إلى طريقة صنع الثياب وعلى العكس من ذلك نجد بعض الأمهات يقمن بسلوك يقتل في أطفالهن كل ميل أو رغبة في عمل، كما، تقول الأم مثلا إذا ما رأت طفلتها تستعمل الابرة في عمل فستان لعروستها حذار اياك أن تجرحي اصبعك بالإبرة، ليس هذا العمل من شأن الأطفال الصغار مثلك.
3- يستطيع الطفل في محيط الأسرة أن يتعلم كيف لا يكون أنانياً بمعنى أنه يتعلم كيف يحترم حقوق الغير وكيف يتلاءم مع غيره من أفراد الأسرة من والدين وأخوة وأقارب.
4- يتعلم الطفل في الأسرة المبادئ الأولى التي يسير عليها في التعامل مع الغير ويكون ذلك عن طريق ملاحظته لسلوكهم واستجاباتهم في المواقف المختلفة، فهو عن طريق هذه الملاحظة يشاهد أنماطاً مختلفة من السلوك فهناك من بين أفراد الأسرة من يتكلم كثيراً ويعمل قليلاً، وهناك من يتوعد إلا أنه لا يعاقب ، وهناك من يقول ويعد إلا أنه لا ينفذ وعوده أن الأطفال في هذه السن المبكرة يكتشفون ويحسون كل ما يدور حولهم وتصدر منهم عبارات ساذجة فيها تحليل كامل لسلوك من حولهم من أفراد. وهناك حالة طفلة في الثانية والنصف من عمرها كانت تهددها مربيتها بقولها سأبلغ والدك ما تفعلين ليعاقبك بالضرب فأجابت الصغيرة أن أبي لا يضرب وأن كل ما سيفعله عندما تبلغيه أنه سيغضب.
5- يكوّن بعض الأطفال في هذه السن المبكرة بعض الاتجاهات بطريقة لا شعورية ومن هذه الاتجاهات ما يتكون نمو الوالدين، أن الولد في نظر بعض الأطفال يمثل رمز للسلطة" ويقول: (فلوجل) أن هذه الاتجاهات التي يكونها الأطفال في صغرهم وما يصاحبها من شعور بالكراهية توجه في المستقبل نحو المجتمع بصفة عامة، كما أن الكثير من جرائم الأحداث – يرجع في أصله إلى كراهية الأطفال للسلطة.
6- يكتسب الطفل نتيجة تفاعله وخبراته في الأسرة، مجموعة من العادات خاصة بالأكل والملبس والطعام وطريقة المشي والكلام والجلوس ومخاطبة الناس والاستحمام والنوم.
7- وللأسرة وظيفة أخرى، فعن طريقها يتعلم الطفل الكثير من العقائد والمخاوف والأفكار التي تدل على التسامح أو التعصب.
* أهمية دور الأسرة: فأهمية دور الأسرة يتمثل فى: 1) أن الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأولى التي ينشأ فيها الطفل وهي المسئولة الأولى عن تنشئته وتطبيعه اجتماعياً. 2) أن الأسرة تعتبر النموذج الأمثل للجماعة الأولية التي يتفاعل الطفل مع أعضائها وجها لوجه ويتوحد مع أعضائها ويعتبر سلوكهم سلوكاً نموذجياً. 3) من العوامل التي تسير علمية التنشئة والتطبيع الاجتماعي في الأسرة اعتماد الطفل على الكبار لفترة زمنية طويلة وحاجة الطفل إلى موافقة الكبار وتقبلهم له واعترافهم به واحترامهم له ورضاهم عنه. 4) يلاحظ أن الطفل لا يكون سلبياً تماماً في عملية التنشئة والتطبيع الاجتماعي وبعض المظاهر السلوكية بل أن شخصية الطفل وسماته والعوامل الأخرى في المجال النفسي الاجتماعي تحدد مدي تقبله لتأثير الأسرة في سلوكه مما لا يجعله صورة طبق الأصل لما حرصت علي تنشئته وتطبيعه اجتماعياً عليه. المزيد عن كيف تجعل طفلك سعيداً؟ ..
وتتبع الأسرة الأساليب النفسية الاجتماعية الآتية في عملية التنشئة الاجتماعية: 1- الاستجابة لسلوك الطفل مما يؤدي إلى أحداث تغير في هذا السلوك. 2- الثواب المادي أو المعنوي حيث تثيب الأسرة الطفل على السلوك السوي وتعززه. 3- العقاب المادي والمعنوي حيث تعاقب الأسرة الطفل على السلوك غير السوي وتنشئته. 4- المشاركة في المواقف والخبرات المختلفة بقصد تعليم الطفل السلوك الاجتماعي. 5- التوجيه المباشر المريح لسلوك الطفل وتعليمه المعايير الاجتماعية للسلوك والأدوار الاجتماعية والقيم والاتجاهات. 6- وقد أجريت عدة بحوث حول دور الأسرة في عملية التنشئة والتطبيع الاجتماعي وأثر ذلك في بعض المظاهر السلوكية للطفل وهي: أ- تفاوت الطبقات الاجتماعية يرتبط به تفاوت عملية التنشئة والتطبيع الاجتماعي. فالطبقة الاجتماعية الدنيا أكثر تسامحاً في عملية التنشئة والتطبيع، والمجتمع الواحد يوجد به فروق في التنشئة والتطبيع بين طبقة وطبقة وبين أسرة وأسرة. المزيد عن التنشئة الاجتماعية ..
ب- نظام التغذية الذي تتبعه الأم مع الطفل في مرحلة الرضاعة يؤثر في حركة ونشاط الطفل، وعدم إتاحة الفرصة الكافية للامتصاص في فترة الرضاعة يؤدي إلى مص الأصابع، والفطام المفاجئ يحدث اضطراباً أكبر للطفل من الفطام المتدرج، والفطام المتأخر يضر بشخصية الطفل والتزمت في مواعيد الرضاعة والقوة في الفطام يؤدي إلى كثرة الاعتماد على الغير في مدرسة الحضانة. ج- أسلوب ضبط عملية الإخراج في الطفولة يرتبط بالبخل والحرص والترتيب والنظام في الكبر، وقسوة الوالدين في التدريب على الإخراج يؤدي إلى ميل الأطفال الذكور إلى العدوان. د- كلما كانت عملية التنشئة الاجتماعية أكثر احباطاً للطفل، وكلما زاد نبذ الوالدين للطفل، وكلما كانت اتجاهاتهم غير متعاطفة وكلما زاد الاحباط في المنزل زاد الدافع إلى العدوان عند الطفل، والتنشئة والتطبيع الاجتماعي أثر في كف الميل إلى العدوان وضبطه عند الأفراد وفي المجتمعات التي يكثر فيها كف العدوان يفسر أبناؤها الغرض على أنه عقاب على العدوان. هـ- الحماية الزائدة من جانب الوالدين لأطفالهم والتزمت والتشدد في نظام الرضاعة والفطام تؤدي إلى الاعتماد على الغير والاتكالية، وتربية الأطفال في المؤسسات تجعلهم أميل إلى البلادة وأكثر عزوفاً عن التفاعل الاجتماعي وأكثر اتكالية وأكثر حاجة على انتباه الآخرين ومودتهم. مما تقدم يتضح أن للأسرة والأساليب التربوية المتبعة فيها لها أبلغ الأثر في تخطيط شخصية الطفل وانعكاسه سلوكياً عند الكبر، فحجم العلاقات في الأسرة بين ا لوالدين ودرجة التفاعل بينهما، أما أن يؤدي إلى تماسك الأسرة وإيجاد مناخ صحي يساعد نمو الطفل والوصول بشخصيته إلى الاتزان وإشباع حاجة الطفل للأمن النفسي والتوافق الاجتماعي أو يؤدي إلى التفكك الأسري نتيجة للخلافات والشجار الدائم بين الزوجين ويعكس ذلك على الأطفال نتيجة للجو المتوتر المعرقل لنمو الطفل واكتسابه أنماط سلوكيه مضطربة كالغيرة والأنانية والخوف وعدم الالتزام الانفعالي وعدم التوافق وهذا يعني أن مناخ الأسرة العام وخريطة العلاقات الأسرية تحدد ملامح شخصية الطفل كالآتي:
1- الأسرة تؤثر على النمو النفسي السوي وغير السوي للطفل وتؤثر في تكوين شخصيته وظيفياً وديناميكياً فهي تؤثر في نموه العقلي ونموه الانفعالي ونموه الاجتماعي. 2- الأسرة السعيدة تعتبر بيئة نفسية صحية للنمو تؤدي إلى إحساس الطفل بالسعادة. 3- الأسرة المضطربة تعتبر بيئة نفسية سيئة للنمو فهي تكون بمثابة مرتع خصب للانحرافات السلوكية والاضطرابات النفسية الاجتماعية والجناح. 4- الخبرات الأسرية التي يتعرض لها الطفل في السنوات الأولى من عمره تؤثر تأثيراً هاماً في نموه النفسي والاجتماعي، والأسرة لاتنفرد بعملية التنشئة والتطبيع الاجتماعي.
* أدوار هامة ومختلفة فى حياة الطفل: أ- دور الأسرة في تكوين المعايير: عن طريق الأسرة يكتسب الطفل المعايير العامة التي تفرضها أنماط الثقافة السائدة في المجتمع. ويكتسب أيضا المعايير الخاصة بالأسرة التي تفرضها هي عليه. وبذلك تصبح الأسرة، بهذا المعنى، وسيلة المجتمع للحفاظ على معاييره، وعلى مستوى الأداء المناسب لتلك المعايير. وتعتمد تلك المعايير في فعاليتها على دور الفرد في الأسرة، وما يقوم به من نشاط، وما يرتبط به من علاقات، وعلى نوع تفاعله الاجتماعي السوي مع بقية أفراد الأسرة بما في لذلك مدى إمكانية تحقيق مطالبه في مقابل تحقيق متطلبات الأسرة. وبذلك تصبح علاقة الفرد بالأسرة علاقة تبادلية قوامها الأخذ والعطاء وضوابطها ما يسود بين الأسرة وأفرادها من معايير عامة ومعايير أسرية. ولهذه المعايير أثرها الفعال في تعديل السلوك الاجتماعي للفرد، وفي تحديد مسار التربية الأسرية، وعلى سبيل المثال قد يرضي الفرد لنفسه أن يصبح كبش فداء بالنسبة لبقية أفراد الأسرة ليحمي الأسرة كلها من الصراعات الداخلية كما تدل على ذلك نتائج بعض الأبحاث الكلينيكية". وجمود المعايير التي تحددها الأسرة لأفرادها يجنح بهم نحو السلوك العصابي بل والذهاني أحياناً، وتعارض معايير الأسرة بالنسبة للموقف الواحد يعوق عملية تكامل التربية الأسرية للفرد، كمثل الأب الذي يطالب ابنه بسلوك ما في أد المواقف ثم يعو ليطالبه بعكس ذلك السلوك في نفس الموقف أو في المواقف الأخرى الشبيهة به.
ب- دور المدرسة في التنشئة الاجتماعية: بالرغم من أن المظاهر الأولى للتنشئة الاجتماعية تبدأ وتترعرع في جو الأسرة إلا أن الأسرة لم تعد تستأثر وحدها بتلك التنشئة، في عالمنا المعاصر وذلك نتيجة للتصنيع الذي أدى بدوره إلى تحديث المجتمعات وتطويرها حتى أضعف بذلك دور الأسرة.
ويضعف أثر الأسرة في التنشئة الاجتماعية وخاصة بعد مضي سنوات الطفولة المبكرة وذلك عندما لا يرتبط توزيع العمل بتكوين الأسرة، ولا تبقى الأسرة هي الوحدة الاقتصادية التي توفر لكل فرد من أفرادها كسب الرزق كما يحدث في العائلات الريفية الكبيرة التي يرتبط عمل أبنائها بملكيتها الزراعية وأعمالهم في الحقل. ويضعف أثر الأسرة في التنشئة الاجتماعية وخاصة بعد مضي سنوات الطفولة المبكرة وذلك عندما لا يرتبط توزيع العمل بتكوين الأسرة، ولا تبقى الأسرة هي الوحدة الاقتصادية التي توفر لكل فرد من أفراها كسب الرزق كما يحدث في العائلات الريفية الكبيرة التي يرتبط عمل أبنائها بملكيتها الزراعية وأعمالهم في الحقل. ويضعف أيضا أثر الأسرة في تلك التنشئة عندما تصبح فرص التعليم متاحة للجميع وتصب المؤسسات التعليمية المختلفة بما فيها المدرسة والجامعة هي المدخل الطبيعي لكسب الرزق. وهذا ما يحدث الآن في أغلب المجتمعات المعاصرة فلي البلدان المختلفة، وخاصة تلك التي تخطط لنفسها لتتطور من مجتمعات نامية لمجتمعات متقدمة، ولتتحول من مجتمعات زراعية لمجتمعات صناعية وتكنولوجية، من أجل هذا يتسع مجال التنشئة الاجتماعية ليجاوز الأسرة إلى المدرسة. وقد زاد أثر المدرسة في التنشئة الاجتماعية أيضا بعد أن اضمحل أثر الوراثة في تحديد المكانة الاجتماعية، وأصبحت المكانة الاجتماعية تكتسب عن طريق التعليم. وبذلك أصبح الفرق الأول بين الأسرة والمدرسة في التنشئة الاجتماعية هو أن الفرد يكتسب مكانته في الأسرة عن طريق السن والجنس، وصفاته الخاصة، لكنه يكتسب مكانته الاجتماعية في ا لمدرسة عن طريق المنافسة والامتحانات التي تؤهله بعد ذلك للمهنة التي يعد نفسه لها في المستقبل وما تتصف به هذه المهنة من مكانة اجتماعية مرموقة أو غير مرموقة. فالمدرسة بهذا المعنى عامل من أهم عوامل الحراك الاجتماعي، ونعني بالحراك هنا الحركة الاجتماعية العليا التصاعدية التي ترقى بالفرد إلى المستويات الاجتماعية والمهنية في المجتمع المعاصر. فهي لذلك تثير في الأفراد حافز الانجاز وتنمية، وتمهد الطريق لتعديل نماذج طموح الفرد من تلك التي يتخذها قدوة يهتدي بها في مسيرة نموه إلى نماذج من التخصصات والأعمال والمهن يطمح لممارستها في مستقبل حياته، وتساير المدرسة الابتدائية هذا التحول عند الطفل في انتقاله من رعاية مدرس الفصل في السنوات الأولى من تلك المدرسة إلى مدرس المادة في السنوات النهائية. والأطفال الذين لا يتخذون الأب ثم المدرس نموذجاً يقتدون به ولا يتطورون إلى نماذج المهن والأعمال يتحولون إلى نماذج جماعة النظائر وينحرفون بسلوكهم عن جادة الطريق، وهؤلاء في حاجة إلى رعاية وإرشاد حتى تستقيم مسالك نموهم الاجتماعي.
ج- دور جماعة النظائر في التنشئة الاجتماعية: تسمى الجماعة التي تتكون من أصدقاء الطفل الذين يتقاربون في أعمارهم وميولهم وهواياتهم جماعة النظائر، والطفل الذي يختلف مع أبيه يجد في مثل هذا التنظيم جماعة مرجعية ينسب إليها نشاطه الاجتماعي. ويجد الطفل جماعة النظار منطلقا لسلوكه العدواني الذي ينشأ لديه نتيجة لصراحة الأب وعقابه وخاصة بين الأولاد كما تدل على ذلك أبحاث باندورا Bandura ووالترز Walters التي نشرها سنة 1960م. ولقد اكتشف الباحثان معاملاً للارتباط بين مدى تقبل الجماعة للفرد أي شعبيته بينهم ، وبين مدى تقبله هو لنفسه كما هي. ولاشك أ، مثل تلك الشعبية تعتمد على ثقة الطفل بنفسه، والعكس ليس صحيحاً. وغالبا ما تتعارض القيم والاتجاهات السائدة بين جماعة النظائر مع قيم واتجاهات الوالدين والمدرسة، حتى شاع حديثا ما يمسى بثقافة المراهقين التي تصف بأنها لا عقلية، ولا ترتبط أنماطها بقيم العمل والإنتاج وإنما ترتبط بالاستماع والاستهلاك، ولذا يحاربها الكبار لأنهم يعدونها تهديداً للقيم التي يحافظون عليها. وقد استخدمت جماعة النظائر حديثا في مجال العلاج النفسي فيما أصبح يسمى الآن إعادة التنشئة الاجتماعية. وتعتمد هذه الوظيفة الجديدة لجماعة النظائر على الافتراض الذي يقرر أن الاختلاف الوظيفي في المهارات الاجتماعية ينشأ من انحراف مسار التنشئة الاجتماعية عن مسلكها السوي نتيجة للظروف غير السوية التي عاني منها الفرد في نشأته في أسرته ويعاني منها الآن في مواجهته لمشكلات المجتمع الذي ينتمي إليه. وتتطلب عملية تصحيح مسار نموه لبعض الوقت في بيئة جديدة تحميه من صراعات المجتمع الخارجي التي لم يعد يحتملها ويقوي على مواجهتها. ويعيش الفرد مع أمثاله من المرضي تحت رعاية من يستطيعون أن يوجهوا سلوكه وسلوك زملائه الذي يؤلفون فيما بينهم جماعة النظائر العلاجية للمواجهة التدريجية لمشكلات المجتمع الواقعي، وذلك عن طريق إعادة التنشئة الاجتماعية وتصحيح المعايير والقيم وأنماط السلوك الاجتماعي.
د- دور وسائل الإعلام في التنشئة الاجتماعية: تعددت الأبحاث التي تحاول اكتشاف أثر وسائل الإعلام في التنشئة الاجتماعية، ومن أهم تلك الوسائل التي شملتها الأبحاث المعاصرة: الاذاعة، والتليفزيون، والأفلام السينمائية، والكتب والمجلات الفكاهية. وقد دلت نتائج أغلب الأبحاث الحديثة على أن الأطفال يقلدون ما يشاهدون من عنف وعدوان في القصص السينمائي والتليفزيوني، وأن مواقف القلق التي تعتمد عليها أحياناً بعض تلك القصص في جذب انتباه المشاهدين تثير في نفوس الأطفال أنواعاً غريبة من القلق قد يتطور بعضها إلى القلق العصابي المرضي. ومن الآثار الواضحة لوسائل الإعلام على التنشئة الاجتماعية للأطفال إشاعة سلوك اللامبالاة وتشويهها للقيم التي نعتمد عليها في تربية جيل المستقبل إذ كثيرا ما نشاهد أبطال القصص السينمائية والتليفزيونية يحتسون الخمر ويدمنون الشراب في مواجهتهم للمواقف العصبية التي تمر بها أحداث القصة أو يعتدون على غيرهم أو يقتلون الآخرين، وتلك نماذج شريرة وخطرة نقدمها للناشئة في مواقف العاطفة المتأججة والشهوات المنطلقة من عقالها التي تعبث بكل ما يواجهها من قيم ومعايير وتقاليد ومثل عليا.
هذا ولا شك أنه إذا أحسن توجيه وسائل الإعلام فإنها تستطيع أن تصبح أداة فعالة قوية في إرساء القواعد الخلقية والدينية لمجتمع فاضل. وتستطيع أيضا هذه الوسائل أن تسموا بالعقل لتخرج أحسن ما به من تفكير وابتكار وخيال خصب منتج. وهي كما تدل تسميتها عليها مجرد وسائل تصبح خيرة إذا أسن توجيهها وشريرة إذا أسيء استخدامها.