إن العلاقة بين الآباء والأبناء علاقة معقدة وخاصة إذا كان هناك أكثر من ابن فى العائلة، ومهارة التركيز مع الأبناء كافة وعلى قدم المساواة ليس بالأمر السهل كما يعتقد الآباء .. فهى تتطلب مهارة أبوية عادلة حتى لا يتم تفضيل ابن دون غيره .. وهذه العلاقة تتطلب انتباه من جانب الآباء فى كافة المراحل العمرية التى يمر بها الأبناء حتى وإن تقدم فى السن وقام الابن/الابنة بتقديم الرعاية لآبائهم بأنفسهم .. فهى علاقة مستمرة ومتطورة.
لا شئ يجلب السعادة للآباء مثل وجود ابن سعيد ومنتج ومحب للآخرين. وكل مرحلة عمرية من مراحل عمر الإنسان لها أهدافها التي يسعى لتحقيقها. فبالنسبة للأطفال، فتنحصر اهتماماتهم في الأكل والنوم واكتشاف كل ما هو جديد عليهم في العالم أو المحيط الذين يعيشون فيه. المزيد عن كيف تجعل طفلك سعيداً؟ ..
وبالنسبة لفترة المراهقة أو ما تسميه هنا (بمرحلة النشء) نجد أن السمة السائدة فيها تحقيق الاستقلالية والميل إلى الأصدقاء ومحاولة تقليدهم، أما الشخص البالغ أو الناضج فأهدافه تتركز في النجاح في العمل والاستقرار وتكوين الأسرة والعناية بها. لذا فإن العلاقة بين الآباء والأبناء تختلف باختلاف المتطلبات الخاصة بكل مرحلة عمرية. المزيد عن الحدود فى العلاقات الإنسانية ..
* أهمية دور الآباء فى المحيط الأُسرى: - إن الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأولى التي ينشأ فيها الطفل وهي المسئولة الأولى عن تنشئته وتطبيعه اجتماعياً. - إن الأسرة تعتبر النموذج الأمثل للجماعة الأولية التي يتفاعل الطفل مع أعضائها وجها لوجه ويتوحد مع أعضائها ويعتبر سلوكهم سلوكاً نموذجياً. - من العوامل التي تسير علمية التنشئة والتطبيع الاجتماعي في الأسرة اعتماد الطفل على الكبار لفترة زمنية طويلة وحاجة الطفل إلى موافقة الكبار وتقبلهم له واعترافهم به واحترامهم له ورضاهم عنه. - يلاحظ أن الطفل لا يكون سلبياً تماماً في عملية التنشئة والتطبيع الاجتماعي وبعض المظاهر السلوكية بل أن شخصية الطفل وسماته والعوامل الأخرى في المجال النفسي الاجتماعي تحدد مدي تقبله لتأثير الأسرة في سلوكه مما لا يجعله صورة طبق الأصل لما حرصت علي تنشئته وتطبيعه اجتماعياً عليه.
ويتميز التفاعل العائلي بخصائص معينة تقوم على أسس من الود والإخاء والحرية والصراحة مع الاستمرار والدوام، وتلك صفات لا نراها بوضوح في أي علاقات اجتماعية أخرى، لذا لابد وأن شعر الطفل أنه مرغوب فيه، محبوب، وتحقيق هذه الحاجات النفسية عن طريق الوالدين والأخوة، ويعتبر تحقيقها الدعامة الأولى لتقوية الروابط الوجدانية بين الأطفال وآبائهم وأن طفلا يترعرع في جو من الخوف أو الكراهية أو الإحساس بالألم، تكون النتيجة الحتمية نزعات من العدوانية تنتابه فى علاقاته الاجتماعية مع الآخرين. المزيد عن الأسرة ومسئولية التربية .. المزيد عن تقوية أواصر العائلة .. المزيد عن التفاعل الأُسرى ..
* علاقة الآباء بأبنائهم فى مراحلهم العمرية المختلفة: - علاقة الآباء بالأبناء حديثى الولادة: الأبوة تحتاج إلي رعاية وحنان وحب وعطف وطمأنينة واستقرار ودفء ورغبة في إسعاد الآخرين. ويمكن للآباء التواصل مع أطفالهم حديثي الولادة بالرغم من عدم تمكن صغار الأطفال من النطق والكلام، إلا أن التواصل يكون من خلال نبرات الصوت الحنونة والهادئة والمطمئنة، وتعبيرات الوجه المريحة والمبتسمة الفرحة السعيدة، ولمسات الأصابع الدافئة والحانية التي تشيع الطمأنينة في نفس الطفل .. والتى تترجم لاحقاً فى المراحل العمرية التالية إلى تصرفات وسلوكيات تعكس نفسية الطفل.
- علاقة الآباء بالأبناء فى سن ما قبل المدرسة: قبل أن يبدأ الطفل فى التفاعل مع أطفال آخرين من سنه، فهو يتفاعل مع الكبار الذي يحيطون به ويقدمون له مختلف أنواع الرعاية والاهتمام .. لذا فإن علاقة الطفل بالشخص الكبير هو موضوع يستحق الدراسة والتأمل. فى البداية يرحب الطفل بهذه المساعدة لأنه يحصل على أكله وشرابه بالاعتماد الكلى على الأب والأم ويتلهف عندما يرى أفراد عائلته الذي يعملون على تلبية رغباته. ثم يتحول الأمر بدلاً من التلهف ليصبح متمرداً غاضباً عندما يكبر فى السن قليلاً محاولاً إبداء رغبته فى الاعتماد على النفس والقيام بإنجاز شئونه، وإبداء المقاومة من جانبه حتى لو لم يكن قادراً على الاعتماد الكلى فى إنجاز ما يرغب فيه وخير مثال على ذلك التمرد على الأم أثناء إطعامه حيث يصرخ ويتمرد محاولاً الإمساك بالملعقة بيده وتناول الطعام بنفسه – الطفل ما بين سن الثانية والثالثة يمر بمرحلة مقاومة الكبار ومحاولة الظهور بالاستقلال. ثم يهدأ الطفل ويرغب فى أن تكون العلاقة بينه وبين الآخرين علاقة حسنة وخاصة مع الأبوين لأنه ينال مساعدتهما. إلا أن هناك نمط سلبي آخر "الاعتماد الكلى على مساعدة الأبوين" الذي يكون بدافع الحب .. ويحول دون قيام علاقات طبيعية سريعة بينه وبين الأشخاص الآخرين. كما أن الطفل الذي يبقى مع أمه فترة طويلة يخشى الذهاب إلى المدرسة أو إلى مكان بعيداً عن أمه لدرجة تتعدى الحدود الطبيعية. فتوجيه الطفل فى سن صغيرة والاهتمام به لا يجعلنا ننسى أهمية تعليمه كيفية صنع الأشياء بنفسه وتشجيعه على الحرية.
- علاقة الآباء بالأبناء فى سن المدرسة (ظهور دور المدرسة): تبدأ الحياة الاجتماعية الأكبر التي تخرج عن نطاق الأسرة والتي تتمثل فى الحياة المدرسية .. هذه الحياة الاجتماعية التي قد يجد فيها الطفل التبرم والضيق نظراً لأنها بيئة جديدة عليه. وسلوك الطفل يتغير كثيراً فإذا كان كثير النشاط ومثير للجلبة نجده هادئاً مطيعاً فى بيئة المدرسة عندما يندمج مع جماعتها .. أى أن سلوك الطفل نتوقع فيه تغيراً يلفت الأنظار إليه. وتستمر علاقة الآباء مع أبنائهم بوصفهم النواة الأولى لتربية النشء والتى لا يمكن الاستغناء عنها فى أى مرحلة عمرية، فدور الآباء فى التربية لا ينتهى على الإطلاق ولكن فى هذه المرحلة العمرية يكون مكمل للمدرسة التى يقع عليها العاتق الأكبر فى عملية التعلم والتربية بالمثل. وهنا تتبلور علاقة الآباء بالأبناء من خلال المدرسة ببناء جسر من التواصل بين المنزل والمدرسة على أساس من الثقة والاحترام، وبحيث يكون الاتصال على نحو فعال مع الآباء فى كل ما يخص الابن أو الابنة بما يضمن مناخ تعليمى ملائم وأداء سلوكى معتدل من قبل الابن أو الابنة، والعمل على حل المشكلات التى قد تواجه الابن أو الابنة على كافة المستويات التعليمية والسلوكية والتربوية التى تجعله ينتقل إلى مرحلة المراهقة بأمان. المزيد عن تواصل الآباء مع المدرسة ..
- علاقة الآباء بالأبناء فى مرحلة المراهقة: يمر المراهق بالعديد من التغيرات الفسيولوجية والجسمانية والسلوكية بل والنفسية والتي تؤثر بالطبع على تصرفاته، ويظهر معه بما يسمى بـ"صراع السيطرة". حيث يأتى دائماً الاختلاف الذي ينشأ بين الآباء والمراهقين من حب السيطرة وصراع القوى حول من هو المسئول؟ وأين تقع نطاق حقوق كل طرف منهما. فالآباء على حق حين يقولون أن الأبناء ليسوا مسئولين بالدرجة الكافية لأن يسمح لهم بأن يتخذوا قرارات. كما أن الأبناء محقون في قولهم أن الآباء يعاملوننا على أننا مازلنا أطفال صغار. ومن هنا ينشأ الصراع من الاختلاف ما إذا كان الأبناء استطاعوا أن يمارسوا المسئولية بكفاءة في الماضي لاتخاذ قراراتهم الحاسمة في المستقبل أم لا؟!. كما أن الصراع ينشأ من ممارسة الآباء للسلطة ثم تركها في بعض الأحيان ومن ممارسة المراهق لها أيضا في بعض الإجازات والعطلات ثم انسحابهم منها باقي أيام الأسبوع. ويزيد من تعقد الموقف، المشاعر القوية الجارفة التي تميز شخصية الأبناء في هذه المرحلة إلى جانب طبيعة الآباء التي تغمرها روح الغضب والرفض. المزيد عن العناية بالمراهقين ..
وقد يفسر الأبناء أن حب الآباء لهم بأنه "حب قاسى" - كما يصفه البعض - ولكن المقصود به: الحب القاسي هو ليس رفض لتصرفات الأبناء، لكنه يحدد حقيقة سلوك وقرارات كلا من الأبناء والآباء. وهو إعطاء قواعد واضحة للأبناء، بالإضافة إلى الحدود المنطقية مع توقع التزامهم بها. ويعنى أيضاً السماح للمراهق بخوض التجارب لمعرفة عواقب سلوكهم وتصرفاتهم ولا يهم هنا دور حماية الآباء لهم حتى تتاح فرصة التعلم لهم لأن التدخل وتقديم المساعدة هو جزء من المشكلة وستأتي الأمور على عكس النتائج المرجوة. الحب القاسي هو التزام الأبناء بحقوق آبائهم وإصرار الآباء على مثل هذه الحقوق بما أنهم يعيشون مع أبنائهم تحت مسمى كبير ألا وهو العائلة. وأخيراً يكمن معنى هذه الكلمة في وضع وتحديد خطط للعائلة والالتزام بها وهذا لا يعنى توقفك عن حب أبنائك أو العناية بهم لكن المقصود بها عدم معاملة الأبناء على أنهم غير قادرين على التصرف في حياتهم وتحمل المسئولية مهما كان ذلك قاسيا على الآباء أو الأبناء. المزيد عن الجوّ الأسرى للمراهق ..
* الشجار بين الآباء نقطة ضعف فى العلاقة الأًسرية أمام الأبناء: من الصعب على الأبناء في أي حالة من الحالات أن يروا الأب والأم في موقف اختلاف وعلى خلاف، ولا مفر من أن يصابوا بالإحباط لما يرونه أو يسمعونه .. فالأب والأم قدوة لأبنائهم لابد وأن يتمسكا بالهدوء قدر استطاعتهم لأنهم يقومون بدور الأفراد الناضجة المتعقلة في العائلة. أما عن درجة تأثر الأبناء فهذا يعتمد على تكرار المواقف التي تدعو للشجار، وعلى مدى حدته وهل ما إذا كان الشجار يتم في خصوصية بين أفراد العائلة أم أن نطاقه يمتد إلى ما وراء ذلك؟!. وأمراً طبيعياً أن ينتاب الأبناء حالة م التوتر والقلق، بل والارتباك والخوف من أن يلحق الأذى بإحدى الأبوين عند ازدياد الخلاف حدة وفقد السيطرة على النفس. كل هذا يضع الابن أو الابنة في ضغوط نفسية قد تترجم في صورة أعراض جسدية تظهر في آلام الصداع أو آلام المعدة. كما يصعب على الأبناء أثناء نوبات الشجار ممارسة حياتهم الطبيعة من الاستذكار أو تناول الطعام أو الخلود للنوم. وقد لا يعي الآباء مدى تأثر الأبناء إلا عندما يتحدثون إليهم بوصفهم لسلوكيات آبائهم التي قد أفزعتهم.
فشجار الآباء حتى لو كان بسبب الأبناء، تقع مسئوليته عليهم وليس على الأبناء مطلقاً، ينبغي أن يتعلم الشخص منذ صغره كيف ينصت للآخرين وكيف يكبح ثورات غضبه عندما لا يروقه شيئاً، وأن يصل الشجار إلى الحد الذي سرعان ما يزول وترجع الأسرة إلى روتينها المعتاد عليه. المزيد عن نظرة الأبناء لشجار الآباء ..
* الفجوة بين الآباء والأبناء .. كيف يمكن التغلب عليها؟ إن الأبوة مهنة تتطلب العطاء الدائم والمرونة ... كما أن الأبوة مهنة تحتاج إلي لباقة وسرعة بديهة وسعة أفق وقدرة علي استيعاب الأمور وفهمها والتريث قبل البت فيها، ثم التمكن من اتخاذ القرار المناسب.
خطوات هامة لكى تغيب الفجوة فى العلاقة بين الآباء والأبناء: - إعطاء الأبناء قواعد واضحة: ينبغى أن تكون هناك قواعد محددة يضعها الآباء لكي يلتزم بها الأبناء بصفة مطلقة ولابد من الإصرار عليها ولكن في نفس الوقت على الآباء احترام آراء أبنائهم على أن تتوفر لديهم الرغبة في مناقشة قراراتهم معهم ولا يأتي ذلك إلا بالتزام الأبناء واحترام هذه العادات المطلقة.
- عدم المغالاة في ردود الأفعال: لابد من الصبر، والصبر هو قبول الآباء لمشاعر أبنائهم كما يعنى الاستماع إليهم بالقلب إلى جانب الأذن، وأن تفتح الباب لآرائهم. وغالباً ما ينتاب الآباء القلق على أبنائهم فلذلك فهم يلجئون إلى العقاب عند الخروج عن القواعد المرسومة لهم، والعقاب مطلوب لكنه لا يعطى الابن الفرصة على أن يسيطر على تصرفاته. المزيد عن العقاب كوسيلة لتربية الطفل ..
- تشجيع الأبناء: لابد من التشجيع لا السيطرة، الاهتمام بنشاطاتهم، وإظهار الاهتمام بأصدقائهم، مع توجيه اهتمام خاص إذا كانت هناك مشكلة ما.
- التدقيق في الأمور الهامة فقط: ويعنى ذلك إهمال الأمور الصغيرة أو التافهة مثل (الملابس والموضة مع الالتزام بالحدود المسموح بها) لأنه إذا دقق الآباء على كافة الأمور سيولد ذلك شعور بالتمرد عند الأبناء. حب الموضة .. الفوائد والأضرار ..
- عدم معاملة الأبناء على أنهم أطفال: لا تعاملهم بصيغة الأمر فلا تستعمل الكلمات التالية (أنت لا تأكل على ما يرام، لابد أن تنام مبكراً، لن تستخدم السيارة حتى تظهر نتائج الامتحان).
- تشجيع استقلاليتهم: الاستقلال والانفصال وتحقيق الهوية هو ما يسعى الأبناء لتحقيقه ويبدأ ذلك منذ سن الطفولة عندما يبدأ الطفل بالزحف والبعد عن أمه، ثم تظهر عند تصميمه لعمل بعض الأشياء بنفسه. لابد من إعطاء الفرصة لهم للخطأ للتوصل إلى كل ما هو صحيح. المزيد عن الأساليب الصحيحة لتربية الأبناء ..
* المراجع:
"Raising Children" - "raisingchildren.org.nz".
"Positive Parenting" - "dadabhagwan.org".
"Tensions in the Parent and Adult Child Relationship" - "ncbi.nlm.nih.gov".
"The Relationship Between Parents and Children" - "snitruth.org".