إن البشر مختلفون في السعادة الانسانية، بل ويمثل مفهوم السعادة إشكالية فى البحث والوصول إلى تعريف محدد لها. وبشكل عام فإن السعادة هي حالة نسبية تختلف باختلاف قدرات الفرد وإمكاناته ودوافعه.
فكل شخص يرمو إلى تحقيق شىء من وجهة نظره يعتقد انها السعادة الأمثل بالنسبة له. فقد يرى الفقير أن السعادة تتمثل في اقتنائه الثروة .. والمريض يرى أنها في الصحة والسلامة، وقد يرى شخص آخر أن سعادته بالإنجاز والنجاح. المزيد عن النجاح ..
فالفرد نفسه قد تختلف نظرته للحياة وللمؤثرات التي حوله باختلاف أطواره الزمنية وظروفه وأحواله، وفي الوقت الذي يحصل فيه الفرد على ما يلائمه وما يسعى إليه فإنه يعيش بهذا شكل من أشكال السعادة بحصوله على ما كان يسعى إليه بالرغم من الصعوبات المختلفة التي قد تواجهه.
* أنواع السعادة: يوجد نوعان من السعادة، و اللذان يعتمدان بشكل اساسى على المحفزات التى تؤدى إلبها: - سعادة قصيرة المدى. - سعادة طويلة المدى.
* مفهوم السعادة فى علم النفس: إن علم النفس الإيجابى يركز على ما هو أبعد من الصحة النفسية للإنسان بمفهومها التقليدى ويبحث فى تحسين الأداء النفسى الوظيفى له .. أى يهتم بماهية السعادة ومحفزاتها والتى تتمثل فى كيفية عيش الإنسان حياة مرضية يحقق فيها ما يرمو إليه من أهداف وطموحات ويوظف قدراته بما يجعله راضياً عن نفسه وعن الآخرين ممن حوله .. كما أن سعادته تتمثل فى سعادة الآخرين.
وهناك بعض نتائج الدراسات التى تم إجراؤها على الجانب الآخر تدل على وجود أساس وراثى للمزاج وانتقاله من جيل إلى آخر، حيث يؤكد عدد كبير من الباحثين اليوم أن 50% من التغيرات المزاجية تحددها الوراثة سلفاً، حتى أن الظروف المسئولة عن فرحنا أو حزننا، باستثناء الصدمات القوية، لا تغير مزاجنا إلا مؤقتاً، لنعود مجدداً إلى حالتنا العاطفية الطبيعية.
ويشير علماء النفس إلى أن هناك جوانب جيدة تساعد الإنسان على العيش في المستويات العالية من السعادة من الإحساس أكثر بالعواطف الإيجابية دون اللجوء إلى أدوية، وتحقيق الطاقة الكامنة لدى الفرد من أجل تفتح شخصيته وسعادتها.
والشعور بالسعادة النفسية والتعبير عنها يختلف من فرد لآخر، ومن ثقافة لأخرى، ومن مرحلة عمريه لأخرى، كما تتباين مصادر السعادة من فرد لآخر. فالسعادة النفسية هى انفعال وجداني إيجابي يحاول الإنسان الوصول إليه باعتباره من الغايات الأساسية الإيجابية.
وقد وضع علماء النفس مصادر للسعادة النفسية والتى قاموا بتصنيفها إلى مصادر شخصية ومصادر سعادة اجتماعية والتى يكون تحقيقها وفق إدراك كل شخص لها. فمصادر السعادة الشخصية تتمثل فى: - الصحة - وجود أهداف محددة - الثقة بالنفس - التعليم - النجاح الدراسي والمهني ومصادر السعادة الاجتماعية تتمثل فى: - الجو الأُسري الإيجابى - وجود أصدقاء فى حياة الشخص - أنشطة لوقت الفراغ تتم ممارستها بشكل منتظم
ولكى تتكامل الرؤية حول السعادة النفسية للفرد يجب التركيز على عوامل أخرى بجانب المصادر التى تحققها ومن بينها: نوعية الأهداف التى يرمو إلى تحقيقها في الحياة، مكانته بين أقرانه، ومراحل النمو المختلفة له. كما أن درجة شعوره بالسعادة النفسية مرتبط بحالته النفسية وعلاقاته الاجتماعية ومدى إشباعه لدوافعه الأولية والثانوية، والأمن النفسي يتكون من جانبين الأول داخلي ويتمثل في عملية التوافق النفسي مع الذات والثاني خارجي ويتمثل في عملية التكيف الاجتماعي.
فالسعادة النفسية ذات طبيعة معقدة أي ليس من السهل تمتع عدد كثير من الأفراد بها .. ربما يرجع ذلك للتغيرات التكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الكثيرة والمتلاحقة وذات التأثير الواضح في حياة الإنسان من مختلف النواحي سواء في المنزل أو الأسرة أو التعليم أو العمل أي تهدد ما يعرف بالأمن والتوافق والصحة والسعادة النفسية للإنسان أى لا تساعده على التوافق الايجابي في الحياة بسهولة إذا لم يكن هناك ملاحقة لهذه التغيرات وفهم لها والتفاعل معها والتأثر بها حتى يتمكن من الأداء الايجابي الشامل في كافة نواحي الحياة.
وإذا تحققت السعادة لدى الفرد فيكون لها آثار إيجابية قوية على سلوكه، منها: التفكير الإيجابي حيث يفكر الناس بطرق مختلفة وأكثر إيجابية عندما يكونون سعداء مقارنة بحالتهم عند الحزن والكآبة، كذلك يكون السعداء أكثر ثقة بالنفس وأكثر تقدير لأنفسهم وأكثر في الكفاءة الاجتماعية ولديهم استعداد لحل مشكلاتهم بطرق أخرى. المزيد عن التفكير الإيجابى .. مهارة هامة لصحتك ..
ويوجز علماء النفس فى مفهوم السعادة أنه بالرغم من وجود تباين فى السعادة النفسية بشكل عام فى تحقيقها، إلا أن معظم الباحثين اتفقوا على أنها مجموعة من المؤشرات السلوكية التي تدل على توفر حالة من الرضا العام لدى الفرد وسعيه المستمر لتحقيق أهدافه الشخصية في إطار الاحتفاظ بالعلاقات الاجتماعية الإيجابية مع الآخرين.
* مفهوم السعادة عند الفلاسفة: اهتم الفلاسفة بمفهوم السعادة مثلما اهتم به علماء النفس بل ووضعوا مفهوم السعادة ضمن المفاهيم الفلسفية الكبرى، وقد ارتبط مفهوم السعادة فى الغالب لديهم بمساعدة الغير. وكان أول من قدم مفهوم للسعادة هو "أرسطو/Aristotle" حيث اقترن تحقيق السعادة لديه بسد النواقص والتى تختلف من شخص إلى آخر، فإذا كان مريضا فإنه يعطي الأفضلية للصحة، وإذا كان فقيرا يعطيها للغنى، كما أن أولئك الذين يشعرون بجهلهم، يسمعون بإعجاب للخطباء. المزيد عن اليوم العالمى للفسلفة ومفهومها .. كما أكد "أرسطو" على أن السعادة ترتبط بفعل المعرفة مادامت هي فعل عقلي يرتبط بالتحصيل والتعود هي ليست أمرا تصنعه الطبيعة لا نولد سعداء وإنما نصبح كذلك.
وقد رأى الفيلسوف "إيمانويل كانط/Immanuel Kant" أنه لا ينبغي البحث عن السعادة على أنها شىء مستقل، وإنما يجب أن تكون نتيجة لاتباع التزام أخلاقي صحيح تحددها الحياة الأخلاقية التى نعيشها فى الدنيا أى أن السعادة عند كانط متصلة بالفضيلة.
أما "الفارابي/Al-Farabi" فيعتبر السعادة غاية في ذاتها، ما دامت تطلب لذاتها بعيدا عن أية مصلحة. فهى لا ترتبط عند الفارابى بإشباع لذة بدنية، لأن هذا هو فعل مشترك مع الحيوان لذا يصبح الفعل العقلي التأملي هو ما يميز الإنسان، فالسعادة عند الفارابى هى لذة عقلية وليست لذة حسية، لكن الفارابي كان دائماً يتساءل كيف تحصل هذه السعادة ما دامت غير متوفرة في عالم الحس والإحساس؟ فنحن لا نولد سعداء وإنما نصبح وهو ما يعني ممارسة فعل التفكير والتأمل والاحتكام إلى المنطق، لأن السعادة لا تحدث إلا بجودة التمييز بين الصحيح والخطأ.
أما السعادة عند "ابن مسكويه/Miskawayh" ترتبط بالجسد والنفس فى آن واحد ، فالسعادة الدنيوية في نظره ناقصة لانطلاقها من عالم الحس، فلا بد من تعرض صاحبها للألم لتحققها، فمثلاً حتى نشعر بلذة الطعام لابد من أن نشعر بألم الجوع، وحتى نشعر بسعادة المال لا بد من العمل بتعب حتى تحصيله، والسعادة فى الآخرة هي الأفضل والأكمل، لأن صاحبها يتمتع بالخير، والفرد يكون بعيداً عن الألم والحسرات الدنيوية التي تسبب له الشقاء فالأخلاق هي غاية السعادة، فلا بد من تهذيب الأخلاق وتقويمها للوصول إليها.
كما ذهب بعض الفلاسفة فى تعريفهم للسعادة التفريق بينها وبين الشعور بالفرح حيث أشار إلى هذا الفرق الفيلسوف "أندري لالاند/André Lalande" ويقول: "نجد تعارضا بين السعادة واللذة والفرح وكل الإشباعات العابرة أو الجزئية المتعلقة بالحساسية، وذلك لأن السعادة تعبر عن طابع كلي ولا يجب خلط المفهوم بينه وبين اللذة والهناء". ويتفق معه فى هذا الرأى "هنرى برجسون/Henri Bergson" معتبراً أن الفرح هو شعور مقترن بالوهم في كثير من حالاته، ولا يؤدي بالتالي إلى العيش في السعادة الكلية.
كما يرى "جون ديوي/John Dewey" أن السعادة مقرونة بالأمن أو الهروب من الخطر في عالم ملىء بالمخاطر.
وقد وجه "ميشيل دى مونتين/Michel de Montaigne" نقد للفلاسفة الذي تحدثوا عن تحقيق السعادة كوصفة جاهزة، أو ثابتة تنطبق على الجميع دون استثناء، ويقترح "مونتين" أن يبحث كل إنسان عن السعادة الخاصة به، المتوافقة مع طبيعته هو، مع ما هو عليه في أعماقه.
أما "لونوار/Lonoir" فقد ربط السعادة بإيجاد معنى لحياتنا، فهذا المعنى الذى يتوصل إليه الإنسان سيصبغ كل الوجود من حولنا بالسعادة، لكن هذا المعنى من الحياة ليس شىء محدد بعينه ينطبق على الجميع، فمعنى الحياة يختلف من شخص لآخر.