* المجتمع ومفهومى الفرد والجماعات:
إن المجتمعات منذ بداية نشأتها كان للفرد الدور الأساسى فى تكوينها، ونظراً لأن الفرد بطبيعته كائن
اجتماعى لا يمكن أن يعيش فى عزلة بمنأى عن الآخرين فنجد أن كل فرد ينتمى إلى جماعة معينة لشعوره بالانجذاب
نحوها ونحو النشاطات التى تمارسها.
فانضمام الأفراد إلى بعضهم البعض كانت هى البذرة الأولى لتكون الجماعات ومن ثَّم تكون المجتمعات بمختلف أشكالها .. فكيف يمكننا
أن نعرف الفرد .. وأن نعرف الجماعة . وأن نعرف المجتمع كبناء متكامل؟
الفرد هو نواة المجتمع وهو مصدر قوته واليد العاملة فيه، فإذا كان المجتمع هو الذى يضع الأهداف
العامة والمهام المتوقعة من كل فرد فإن الفرد هو من يقوم بفعل التنفيذ وهو من يؤدى الأدوار المطلوبة منه
ويشارك فى تحقيق الأهداف التى رسمها المجتمع له وفقاً لمعايير الأداء المتوقع منه بصرف النظر عن غرائزه
التى تميل إلى الأنانية وحب الذات والرغبات الشخصية وحينها يوصف الفرد بأنه ملتزم أخلاقياً، أما إذا صدر
عدم التزام منه فهذا يعنى مخالفته للإطار العام الذى رسمه المجتمع له ومخالفاً للقواعد الموضوعة وهنا يوصف
بالإهمال لأنه لم يؤدى دوره الاجتماعى المطلوب منه.
ويعتبر الدور الاجتماعي هو الشغل الشاغل للفرد والمجتمع فعليه تترتب الواجبات التي يحاسب عليها الفرد
اجتماعيا، وكلما زاد عدد الأدوار والوظائف والمهام زادت الواجبات والالتزامات وزادت مكانة الفرد في
المجتمع وزاد تأثيره فيه بالسلب والإيجاب ووفق لما يلاقيه من نجاح خلال ممارساته لتلك الأدوار. كذلك كلما
زاد معدل النجاح للفرد في الالتزام بالواجبات كلما زاد معدل تمتعه بالحقوق وتمكن من ضبط أهدافه الفردية علي
أساس الثقة بالنظام الاجتماعي والعكس صحيح. المزيد عن المكانة الاجتماعية .. المزيد عن النجاح ..
الجماعة هى مجموعة متماسكة من الأفراد بينهم تفاعل اجتماعى
وأهداف مشتركة وتربطهم بيئة جغرافية واقتصادية واجتماعية ودينية ويتحدد فيها للأفراد أدوارهم الاجتماعية ومكانتهم.
وهناك فارق بين تجمع مجموعة من الأفراد وبين الجماعة في كون المصطلح الأول يشير إلى تجاور مكاني لبعض الأفراد دون أن يحدث بينهم تفاعلاً من نوع ما، وقد يتحول التجمع جماعة اجتماعية عن طريق التفاعل الذي يحدث بين أولئك المتجاورين في المكان.
المجتمع مجموعة الأفراد التي تعيش فى مكان محدد تربط بينهم علاقات ثقافية وحضارية واجتماعية واقتصادية، حيث يسعى كل فرد فى هذا المكان إلى تحقيق المصالح والاحتياجات المشتركة بشكل تعاونى.
ويرى البعض من علماء الاجتماع أن هناك فرق بين الجماعات المشتركة (Community) وبين المجتمع حيث أن
هذه الجماعات يشترك أفرادها فى الموطن دون وجود علاقات تفاعلية بينهم، بل وقد أشار إلى هذا الاختلاف بالمثل
عالم الاجتماع "تونيز/Ferdinand Tönnies" مؤكداً على أن أهم ما يميز المجتمع هو وجود بنية اجتماعية التي تتضمن عدة نواحي أهمها الحكم والسيطرة والمكانة الاجتماعية.
* أنواع الجماعات:
تنقسم الجماعات إلى جماعات أولية وجماعات ثانوية: أولاً الجماعة الأولية، وتتمثل فى الأسرة أو العائلة وهى البنية الأولى أو الأساسية فى أى مجتمع من
المجتمعات. وجماعة الأسرة تعد أساس التنشئة الاجتماعية للأفراد منذ صغرهم، وتتعدد مهام جماعة الأسرة حيث تكون
هى المسئولة عن تحويل الطفل الصغير من كائن بيولوجى وتعده لكى يصبح كائن اجتماعى. المزيد عن الأسرة ومسئولية التربية ..
وهذه الجماعة الأولية تتعدد أنماط التفاعل الاجتماعى بين أفرادها فنجد أن الطفل:
- يتفاعل مع الأب.
و
- يتفاعل مع الأم.
و
- يتفاعل مع الأخوات. المزيد عن علاقة الأخوات ..
و
- يتفاعل مع الجدود. المزيد عن تفاعل الجدود مع الأحفاد ..
و
- يتفاعل مع الأعمام والعمات.
و
- يتفاعل مع الخالات والأخوال.
ويتفاعل بالمثل
- مع كافة الأقارب الذين ينتمون إلى العائلة الواحدة.
ثانياً الجماعات الثانوية، التى تتمثل فى جماعة أصدقاء النادى وزملاء الدراسة ... الخ
فالطفل الصغير لا يظل مقيداً بجماعته الأولية، فهو بحاجة إلى النمو الاجتماعى والإدراكى وهذا لن يتأتى
إلا من خلال اتساع دائرة معارفه، والتى تتمثل فى اتصاله وتفاعله بأفراد لا ينتمون إلى أعضاء عائلته
الصغيرة، وهنا إما أن يُقدم الطفل على التفاعل أو يفضل الانسحاب وعدم الرغبة فى الاتصال بالآخرين، ويتحكم فى
هذا السلوك الانطوائى أو الانبساطى عدة عوامل، من بينها:
- أسلوب تربية الأسرة له. المزيد عن أساليب التربية المختلفة ..
- تشجيع الوالدين لمثل هذه الأنماط التفاعلية.
- ميل الشخص وطبيعة شخصيته.
- مدى الإشباع الذى ناله الطفل لاحتياجاته ورغباته.
ما هى خصائص الجماعة؟
- أفراد توجد بينهم أنماط تفاعلية.
- أفراد تربطهم أهداف مشتركة.
- أفراد تربطهم انفعالات ومشاعر مشتركة.
* الحاجة إلى الانتماء:
الإنسان بطبيعته يميل إلى التفاعل الاجتماعى و لا يفضل العزلة إلا فى حالات يمكن وصفها بالحالات غير الطبيعية
التى يكون عليها الفرد نتيجة لتعرضه لضغوط ما أو نتيجة لمعاناته من مرض نفسى. المزيد عن العزلة الاجتماعية .. والانفصال عن الآخرين .. المزيد عن الضغوط .. فالانتماء يعنى الاقتراب النفسى والاجتماعى من الجماعة الاجتماعية وهو مضاد الاغتراب وابتعاد الفرد عن ذاته
وعن جماعته.
والحاجة إلى الانتماء هو مطلب فطرى للكائن البشرى فهو يسعى دائماً إلى الارتباط بالآخرين ليس فقط لأنها
طبيعة بشرية، وإنما أيضاً لأن هذا الانتماء بمثابة العلاج النفس الذى يقلل من حدة التوترات والقلق لديه،
بل وأن مواقف الشدة تزيد من رغبة الفرد فى تواجده فى الصحبة. المزيد عن الضحك ..
وكما أثبتت الدراسات أن الفرد وهو تحت وطأة الضغوط وهو فى عزلته تهتز ثقته بنفسه ولا يحسن التصرف كما لا يقوى
على تحمل الضغوط، فدائماً ما يحتاج الفرد إلى المساندة النفسية من الآخرين .. التى تفسر فى النهاية إلى حاجته
للانتماء. ما هو الدور الذى يلعبه الشعور بالاغتراب فى حياة الإنسان؟
* التجاذب الاجتماعى:
التجاذب الاجتماعى من المفاهيم الهامة التى تحدد إطار العلاقة بين الفرد والجماعات فى مختلف المجتمعات، ويعنى
التجاذب الاجتماعى هو توافر صفة معينة فى فرد أو جماعة تجعل الأفراد الآخرين يميلون إلى هذا الفرد أو الجماعة
وينجذبون إليه، وهناك عوامل تحقق مثل هذا التجاذب:
- المهارات والقدرات التى تتوافر لدى بعض الأشخاص تجعلهم أكثر قبولاً عن غيرهم من الأفراد التى لا
تتوافر لديهم مثل هذه المهارات.
- المظهر والهيئة التى يكون عليها الشخص. المزيد عن الاعتناء بالمظهر .. وتأثيره على الصحة النفسية والجسدية ..
- التشابه الفكرى والاجتماعى بين الأفراد، حيث نجد أن الأفراد التى تتشابه فى قيمها وعاداتها وطريقة تفكيرها
ينجذبون الأفراد إلى بعضهم البعض.
- الحب، الإنسان يميل بطبعه إلى الشخص أو الأشخاص الذين يقبلونه ويرفض الأشخاص التى ترفضه.
- العشرة، الفرد يميل إلى الأفراد الذين اختلط بهم لفترة طويلة من الزمن وتربط بينهم عشرة ولا يميل إلى
التعامل مع الأعضاء الجدد الذين لا يعرفهم.
أهمية التجاذب الاجتماعى فى حياة الأفراد:
- تحقيق رغبات الفرد الشخصية التى لا يقوى على تحقيقها بمفرده.
- انتماء الفرد وانجذابه لجماعة بعينها يوفر له الشعور بالأمان والطمأنينة.
- تقويم سلوكيات الفرد والتى تكتسب من سلوك الجماعة من خلال إعادة التوجيه (إذا كانت الجماعة تعتنق أفكار
ومبادئ صحيحة).
- الجماعة تساعد الفرد على أن يكون فرداً يتسم بالحيوية والنشاط فى مجتمعه، فحتى يظل عضواً عاملاً
فيه لابد وأن يُمارس مختلف الأنشطة الاجتماعية وغير الاجتماعية التى توطد من إسهاماته للمجتمع الذى ينتمى
إليه.
- إن التجاذب الاجتماعى وحاجة الفرد إليه لا يتمثل فقط فى إشباع رغباته وتحقيق أهدافه التى لا يستطيع أن
ينجزها بنفسه، وإنما يساهم أيضاً فى نضجه نفسياً وإدراكياً. فالشخص الذى تم إرضاء حاجته للانتماء
ومتجاذب اجتماعياً مع جماعته يستطيع التعبير عن ذاته بشكل صحيح، كما يكون أكثر إدراكاً للصعوبات التى
يواجهها وكيف يقوى على مواجهتها، كما يكون أكثر إحساساً بمشاعر الآخرين وأكثر قدرة على تقديم المساعدة لهم ..
فعندما يتم إشباع حاجته الذاتية تتوافر لديه المقدرة على إشباع حاجات الآخرين.
* المسئولية الاجتماعية وحرية الفرد:
إن الإنسان بطبيعته يميل إلى تفضيل رغباته ومصلحته الشخصية على مصالح الآخرين، ولكن الحياة وسط أفراد
آخرين فى مختلف المجتمعات تحول هذه الأنانية الجاهلة إلى أنانية عاقلة .. أى أنانية تحقق توازن بين مصلحة
الفرد ومصلحة الآخرين أى أفراد الجماعة التى ينتمى إليها الفرد الواحد. هذا الإطار المتوازن للحرية
والمصلحة الفردية يعكس ماهية المسئولية الاجتماعية التى تكون للأفراد داخل المجتمعات.
والمسئولية الاجتماعية التى تدعم مصلحة المجتمعات أى المصلحة العامة تضع حدوداً لمصلحة الفرد التى تتسم
بالأنانية الجاهلة فى الكثير من الأحيان.
إن الأفراد التى تنتمى لمختلف الجماعات بحاجة إلى توطيد الروابط الإنسانية بين أفرادها وإلى التوحد فيما
بينهم، فكل فرد من أفراد المجتمعات مسئول عن نفسه وعن المجتمع الذى ينتمى إليه. وهنا نجد أن المسئولية لكى
تتحقق لابد من توافر البيئة الخصبة لتوطيدها أو لتنفيذها من جانب كل فرد. المزيد عن مختلف الروابط الإنسانية ..
ومن العوامل أو المعايير التى تتحقق بها المسئولية الاجتماعية التى تقنن الحرية الفردية المطلقة: الاهتمام
الاهتمام بالجماعة التى ينتمى إليها الفرد هو الارتباط والتمسك بها، وهناك مستويات لهذا الاهتمام:
- الاهتمام من خلال الانفعال التلقائى بالجماعة، والانشغال بأمورها التى تعكس شعور الفرد بأنه جزء منها
ولابد أن يشارك جميع أفرادها الحالة الشعورية التى يكونون عليها.
والمستوى الثانى هو الاهتمام من خلال الانفعال الإرادى بالجماعة، أى أن الفرد يندمج مع الجماعة الاجتماعية
التى ينتمى إليها عن قناعة ذاتية بأهمية ذلك وبطريقة واعية والتوحد معها من أجل إعلاء مكانتها والفوز
بالأمان.
الفهم
الفهم انطلاقاً من المسئولية الاجتماعية يعنى الإدراك الواعى والصحيح للأدوار الاجتماعية المطلوبة من كل فرد،
ويعنى تقديم المصلحة العامة على المصلحة الفردية، ويعنى الالتزام بالأخلاقيات المنضبطة والوصول إلى
التقارب الفكرى مع باقى الأفراد .. فالعقل والعاطفة يمثلان أساس الفهم الجيد.
المشاركة
المشاركة تعنى التفاعل مع الآخر، وتعنى القيام بأداء الواجبات المطلوبة من الفرد، ولكى يتمكن الفرد من
المشاركة لابد من تحقق العوامل الثلاثة التالية:
- أولها هو تقبل الفرد للدور الاجتماعى المنوط به.
- ثانيها تنفيذ هذا الدور.
- ثالثها تقييم ما قام بتنفيذه هل يتفق مع معايير المصلحة العامة والقواعد الموجودة التى تحقق أمان
المجتمع وسلامته.
وفى ظل وجود العوامل الداعمة للمسئولية الاجتماعية يحدث نوع من التعايش والتواصل بين أفراد المجتمع
الواحد، ويصبح هناك ترابط بين مختلف الاحتياجات البشرية، الأمر الذى يقضى على الشقاق والتطرف الذى
يكون سائداً داخل الجماعة الاجتماعية الواحدة نتيجة لعدم الالتزام بمعايير المسئولية الاجتماعية.
متى يمكن الحكم على فرد بأنه مسئولاً اجتماعياً أو أن لديه نقص فى المسئولية الاجتماعية؟
هناك بعض السلوكيات والتصرفات التى يقوم بها الفرد تعكس مدى كونه شخصاً اجتماعياً مسئولاً من عدمه، وهى
على النحو التالى:
- الشخص الذى يقدم العناية لأسرته فهو شخص مسئول اجتماعياً.
- الشخص الذى يخلص فى عمله وفى مهنته فهو شخص مسئول اجتماعياً.
- الشخص الذى يحترم النظام والقواعد الاجتماعية والقوانين.
- الشخص المنضبط أخلاقياً.
- الشخص المعتمد على ذاته.
- الشخص المتفاعل مع الآخرين.
- الشخص الذى يؤدى مختلف الواجبات المطلوبة منه.
وكل هذا فى النهاية يمثل صالح الجماعة الاجتماعية التى تكون فى النهاية المجتمع بأكمله ليصبح الشخص مسئولاً
عن مجتمعه.
متى نحكم بأن الشخص ليس بوسعه ممارسة المسئولية الاجتماعية المطلوبة منه؟
عندما تظهر السلوكيات السلبية التالية التى يتم التعبير عنها بمظاهر نقص المسئولية الاجتماعية:
- فرض العزلة والانسحاب من المجتمع.
- رفض التعاون والتفاعل مع الآخرين.
- عدم الشعور بالولاء والانتماء.
- الشعور بالغربة والاغتراب.
- عدم تقدير الذات وعدم تقدير الجماعة.
تنمية الشخصية المسئولة اجتماعياً:
ولتنمية الشخصية المسئولة اجتماعياً يتطلب تدريب النفس عليها منذ الصغر، فعلى الرغم من أن المسئولية يكون
الوازع الأول فيها النفس البشرية وما يميله الضمير عليها، إلا أنه يمكن تربية النفس عليها منذ الصغر لذا
تبرز أهمية التنشئة الاجتماعية للطفل منذ صغره فى محيط العائلة وفى المدرسة وحتى فى مجال العمل. فتنمية
المهارات التى تتوافر للفرد وتنمية ثقته واعتداده بذاته والتأكيد على الحس الأخلاقى والإبداع العملى ..
كلها من مقومات بناء الشخصية المسئولة اجتماعية. المزيد عن الاعتداد بالنفس ..